المجلة الجزائرية للاقتصاد والمالية
Volume 2, Numéro 2, Pages 8-32
2015-09-15

الاقتصاد الجزائري تحت رحمة ثالوث الفساد والتضخم والبطالة

الكاتب : طارق قندوز . إبراهيم بلحيمر . السعيد قاسمي .

الملخص

حسب خبراء الرابطة الجزائرية لأرباب العمل CNPA، ومنتدى رؤساء المؤسسات FCE فالمؤســسة الإقتصادية الجزائرية مقبلة على تحديات كبيرة خلال السنوات المقبلة، وهي مضطرة إلى التكيف مع التحولات الجارية لتفادي أي إنتكاس مستقبلا. وفي نفس الإتجاه، يتمثل التحدي الإستراتيجي والمحك الصعب الذي يواجه صناع القرار بالجزائر قضية تنويع وتخصيب البنية الإقتصادية ودفع وتيرة مسلسل النمو الصناعي والزراعي والخدماتي، ومنه بناء إقتصاد منتج وحيوي والتخلص من الإفرازات السيئة الناجمة عن تقلبات إقتصاد الريع، فهذا الأخير أضحى هاجس حقيقي مزعج ذو نهاية تراجيدية على الأمد المتوسط والبعيد، من زاوية العمر الإفتراضي لنضوب النفط والغاز، فالجزائر في عنق الزجاجة تعيش مأزق فعلي لحل مشاكل الجبهة الإجتماعية المتنامية (الصحة، السكن، الغذاء، التعليم، النقل، ...إلخ)، فيما يتصل بالبحث عن الحلول البديلة لتحقيق فوائض ربحية مستديمة في الحساب الجاري، ومن ثم الحصول على متنفس جديد للعملة الصعبة لتمويل قنوات الإستثمار العام (المؤسسات العمومية) والخاص (المؤسسات الصغيرة والمتوسطة). ويعتقد الخبراء أن تراكم مسلسل الإنزلاقات والتجاوزات كسابقة خطيرة في تاريخ الجزائر خصوصا مطلع عام 2011 أعمق من إرتفاع أثمان السكر والزيت أو غلق الطرق والمرافق العامة مثل البلديات والمستشفيات، فهذه الأخيرة كانت بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس فقط، بل هي أزمة النظام الإقتصادي والسياسي الجزائري الذي لا يملك مفاتيح الحلول الجذرية ولا يملك مشروعا ذا بعد وطني شامل، في وقت إمتلأت فيه أوعية الخزينة العمومية بملايير الدولارات، فالفساد هو أساس أزمة الجزائر، وليت الصراع في الساحة السياسية بين الأحزاب يقتصر على بناء الدولة العصرية، بل حقيقته المرّة أنّه صراع إنتهازي حول المناصب البرلمانية في الإنتخابات التشريعية والمصالح الضيقة والإمتيازات الفردية ومن يأخذ أكثر من الصفقات العمومية ولو على حساب المصلحة العامة، ويثير هذا الوضع حفيظة الشارع الغاضب، خاصة لما يقارنه بالسلوك النضالي والتضحيات الكفاحية التي قدمها المجاهدون والشهداء الحقيقيون في ثورتهم المباركة ضد الإستعمار الفرنسي. وفي السياق ذاته، يشكك الخبراء في المنظومة الإحصائية الوطنية، على خلفية منسوب مصداقية المنهجية المتبعة أو شفافية النموذج المطبق من طرف الديوان الوطني للإحصاء، فهذا الأخير هيئة غير مستقلة تابعة للسلطات العمومية ما يجعله عرضة للضغوطات الحكومية في الجهاز التنفيذي، والأرقام الصادرة عنه بعيدة عن المعايير الدولية المعتمدة والمتعارف عليها، وبعيدة عن الواقع تهدف إلى التهدئة وتغطية الجوانب السلبية في الأداء الحكومي وتفادي الغضب الإجتماعي وتداعياته، فمثلا يجزم الخبراء بأن نسبة التضخم الحقيقية في الجزائر ما بين 10% و20% أي تفوق بأزيد من ثلاث مرات الرقم الرسمي المعلن عنه من السلطات المركزية، فالوضعية الحقيقية للقدرة الشرائية لـ 70% من الأسر محدودة الدخل التي تستعمل أزيد من 80% من مداخيلها للمواد الغذائية الأساسية فقط. ويرون أن نسب البطالة الفعلية غير المعلنة أكبر من ذلك بكثير وربما تتجاوز الخطوط الحمراء وتصل إلى أكبر من 20%، خاصة عند الشباب حيث تتجاوز 30% إذا تم إستثناء مناصب العمل غير الدائمة، والتطور السريع للقطاع الموازي الذي يوظف عدد غير معروف من اليد العاملة، ويعتبر مصدر دخل بالنسبة لهم، وهو ما يجعل إحصائيات العاطلين عن العمل غير دقيقة تماما . وفي هذا الإطار، تكتسي هذه الدراسة أهمية بالغة، على إعتبار أنها جاءت في غضون الهزات العنيفة التي إجتاحت الدول الأكثر تقدما في العالم، والتي تعكف على البحث عن مصادر أخرى للطاقة، وموجة الإنتقادات اللاذعة شديدة اللهجة من طرف الخبراء الأخصائيين والباحثين الجامعيين علاوة عن المنظمات الأممية، بشأن الهوّة الجسيمة بين المخزون المالي للبلد من جهة، وبين ترتيب الجزائر في مراتب متأخرة ضمن حظيرة الدول المتخلفة غير المنتجة للفوائض والمنافع الحقيقية خارج الركاز (تتكون من 60% محروقات و20% زراعة ونحو 5% صناعة والباقي 15% من الخدمات)، بحيث لا يمكن مقارنة إقتصاد الجزائر باقتصاديات الدول الناشئة أو الصاعدة وذلك في أعقاب التقارير الدولية الصادرة هنا وهنالك. ولعل القرينة البارزة في هذا الصدد، الإرتفاع الفاحش والمقلق لفاتورة الواردات الغذائية من سنة إلى أخرى بوتائر قياسية تعكس تكريس مفهوم التبعية الغذائية للأسواق الخارجية، والقيمة العلمية المضافة في الدراسة أيضا تكمن في جودة المقترحات المثمرة والتوصيات المجدية التي يمكن إستخلاصها كدروس مستفادة من الدراسات والأبحاث المعتمدة أو تلك المستقاة من قرائح وأذهان الخبراء والمحللين المتابعين لخبايا الشأن الإقتصادي المحلي.

الكلمات المفتاحية

الاقتصاد الجزائري, الفساد, التضخم, البطالة.