مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية
Volume 8, Numéro 2, Pages 234-261
2023-02-28

حواضر وأعلام البناء الحضاري بالمغرب الأوسط. "تيهرت والحسن بن علي التِّيهرتي" أنموذجاً.

الكاتب : حناي مُحمَّد . مياطه التِّجاني .

الملخص

بلاد المغرب الأوسط قاعدة ارتكاز لفتح الأندلس سنة 92ه/711م، لما كانت تزخر به من رجال أشاوس (الأمازيغ) اعتنقوا الإسلام وحملوا رسالته. هذا البعد الرِّسالي جعلها تحتضن فيما بعد العناصر الوافدة من المشرق الإسلامي، والتي تمازجت وتعايشت مع العنصر الأمازيغي واستطاعت أنْ تؤسس مع أخوة العقيدة الوافدين أوَّلُ دولة إسلاميَّة ببلاد المغرب الأوسط ألاَ وهي الدَّولة الرُّستميَّة (160/299ه – 776/911م)، التي كانت عاصمتها حاضرة "تيهرت" ذات الموقع الجغرافي الحصين والقابل للحياة والازدهار فيما هو آتٍ من أيام؛ وقد بلغت يومئذ شأناً عظيما في المدنيَّة والعمران حتى قورنت في ذاك الزَّمن بــ"قرطبة" و"بغداد" و"دمشق" وغيرها من عواصم المشرق الإسلامي، فكانت تُدعى بـــِ"عِراق المغرب"، وكذالك "بلخ المغرب". لقد زخرت هذه الحاضر الإسلامية ببلاد المغرب الأوسط بعلماء وأدباء تأثروا وأثروا في البناء الحضاري الإسلامي، ومن بينهم: "أبي الفضل أحمد التِّيهرتي"، و"بكر بن حماد" الشَّاعر، و "يهوذا بن قريش التِّيهرتي" في القرن 4ه، الذي كان متضلعاً في اللغات العبرانيَّة و الأرميَّة والفارسيَّة نهيك عن اللغة العربيَّة، مقدماً بعداً إثرائياً في علوم اللغات من خلال المقارنات، كما أنَّه هو الواضع لأسس النَّحو التَّنظيري؛ وهو ما يدلل على قيمة "تيهرت" وبنيتها العلميَّة الثَّقافية كحاضنة للعلم والعلماء. هذا الزَّخم الحضاري في دائرة التَّأثير والتَّأثر بقي متواصلاً ومستمراً في المحيطين القريب والبعيد من خلال أعلام هاته الحاضرة العاصمة الزَّاخرة بالمعصومة، ومثالنا على ذلك أنمودج دراستنا الشَّيخ "الحسن بن علي التِّهرتي" (5ه)، الذي تخرج على يد أئمة الأندلس متأثراً بهم وبمنهجهم، فكان أديباً نحوياً ومحدِّثاً فقيهاً موسوعياً، فأثر في كثير من علماء "المغرب" و "الأندلس" منهم "أبو الفضل القاضي عياض" صاحب المصنفات الشَّهيرة. بهذا الدَّور البنائي عاشت حاضرة "تيهرت" وأعلامها في دائرة الرِّساليَّة الإسلاميَّة تبني وتُشيِّد وتُقدم الرُّموز العلميَّة الواحد تلوى الأخر منذ تأسيسها وحتى بعد سقوط الدَّولة الرُّستميًّة، فقيمة المكان والزَّمان وغياب الحاكم العادل والنِّظام لا تلغي إنجاب الأعلام.

الكلمات المفتاحية

تيهرت - البناء الحضاري - المغرب الأوسط - الحسن بن علي التِّهرتي - الرِّساليَّة الإسلاميَّة.