مجلة البحوث السياسية و الادارية
Volume 3, Numéro 1, Pages 301-307
2014-06-01

عودة الظاهرة الاستعمارية لدول أسيا (المداخل السياسية الجديدة)

الكاتب : رافع أمبارك .

الملخص

لم يعرف التاريخ أسوأ ولا أبشع ممارسة سياسية من الظاهرة الاستعمارية؛ تلك التي اندفعت فيها الدول الأوروبية نحو آسيا وإفريقيا وشرعت بصورة محمومة تستلب خيرات البلاد المستعمرة وتستعبد شعوبها من أجل أن تدور المصانع وتزدهي المزارع في أوروبا وتتراكم الأموال ويرتفع المستوى المعيشي للسكان الأوروبيين؛ ولا يهم الانسان الأوروبي بعد ذلك المآسي التي جرت بحق الشعوب المستعمرة ففي نهاية القرن التاسع عشر تم توزيع مناطق النفوذ بين كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة قطبي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وهي مرحلة تشكل جديد للظاهرة الاستعمارية، وُعرفت تلكم الفترة بمرحلة الحرب الباردة ولكن منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي شهدت الساحة الدولية انفرادا للولايات المتحدة وريثة النظام الاستعماري القديم بمعظم الشأن الدولي، وهي فترة أبرز ملامحها من وجهة نظر الاستراتيجية الأمريكية ضمان أمن (إسرائيل) وتأديب ما أسمته الولايات المتحدة بـ (الدول المارقة) وهو الاسم الأمريكي للدول ذات النزعة الاستقلالية المتمردة على الاستكبار الأمريكي مثل احتلال العراق، التدخل المباشر في الشؤون اللبنانية، تشجيع التيارات والأحزاب الطائفية والعرقية كأدوات تفتيت واعاقة واشغال داخل القطر الواحد أما من الجانب الاسيوي وعلى خطى اليابان والبلدان الصناعية الحديثة العهد في شمال شرق القارة الآسيوية، عرفت الصين في غضون عقدين من الزمن حركة نمو ديناميكية جعلتها طرفاً فاعلاً رئيسياً في الاقتصاد العالمي وهي في طريقها للتحول إلى قطب منظم لشبكة من المبادلات الإقليمية، ويشكل هذا التحول تكذيباً لمقولة "الأثنية المركزية" الغربية المدعية بأن معوقات ثقافية تحتم أبداً عجز "الشرق" الأقصى أو غيره عن ولوج الحداثة المعتبرة منذ الثورة الصناعية الأوروبية خصوصية لبلدان الغرب وحدها. لكن منذ سنوات يثير حجم هذه التغيرات الأسئلة والمخاوف في "الغرب" حيال احتمال إعادة تمركز الاقتصاد العالمي حول آسيا، وفي مدى منظور، إعادة توزع للتوازنات الدولية الكبرى كما ترجع منابع هذه الحركة العميقة الجذور إلى الموقع الذي كانت تحتله آسيا في النظام العالمي قبل الانفصام بين الشمال والجنوب وإيجاد "العوالم الثالثة"، وهو انفصام أنتجته الثورة الصناعية الأوروبية والاستعمار. وفي منظور بعيد المدى، تكون الصين، كما مجمل دول آسيا، في وضع يسمح لها بالوصل مع ما انقطع من تاريخها ما قبل الاستعمار وبالعودة التدريجية إلى الموقع الذي كان لها قبل سنة 1800 أي يوم كانت في صلب الاقتصاد العالمي كأول بلد منتج للسلع المصنعة في العالم. وكانت الصين في ذلك الحين تقف وسط شبكة مكثفة من المبادلات الإقليمية للمنسوجات كما كانت قبل قرون حين كانت الصين أهم المناطق إنتاجاً والأكثر إدراراً للمنافع في العالم وبعد مرور مئة عام ومع تحقيقها موقعاً مهيمناً جديداً، اعتقدت أوروبا أنها تعيد اكتشاف آسيا في مرحلة ما قبل الحداثة حيث بدأت تتكون في أوراسيا عدة محاور استراتيجية جديدة ستكون هي محور الصراع العالمي القادم. وقبل أن نرصد هذه المحاور، يحسن أن نشير إلي الجدل الدائر في الفكر الاستراتيجي حول مفهوم المحاور والتحالفات في حقبة ما بعد الحرب الباردة. ذلك أن هناك اتجاها معينا في هذا الفكر يؤكد أنه في عصر ما بعد الحرب الباردة، فإن العالم قد تغير جذريا في اتجاه العولمة، وهي تعني تنميط التفاعلات داخل وبين الدول وخلق هويات عولمية جديدة للبشر. طبقا لهذه الرؤية، فإن الحديث عن محاور في عالم القرن الحادي والعشرين هو حديث يستند إلي أدبيات بل وإلي عقلية الحرب الباردة، وهي مرحلة تجاوزها العالم ودخل في منعطف جديد لا مجال فيه إلا للاقتصاد العالمي والأمن التعاوني بل يمكن القول إن تلك الرؤية هي بالأساس رؤية أيديولوجية أكثر منها رؤية واقعية لعالم اليوم وبشكل استعماري جديد قد تهيأ العالم الغربي للعودة الجديدة الى أسيا.

الكلمات المفتاحية

الظاهرة الاستعمارية ، دول أسيا ،المداخل السياسية الجديدة