متون
Volume 16, Numéro 1, Pages 19-43
2023-01-15

التسامح من التأصيل إلى تفعيل بناء جسور التواصل الحضاري

الكاتب : الساهل بنسالم .

الملخص

أضحى التسامح في هذا العصر أكثر ضرورة وإلحاحا من أي وقت مضى، ذلك أن سرعة الاتصال والمواصلات وتداخل المصالح بين الدول والمجموعات والافراد جعل التعاون وتبادل المصالح أمرا لا مناص منه، ومن هنا كان لابد أن من إشاعة ثقافة التسامح والتعايش وتقبل الآخر المختلف، سواء لتحقيق المصالح المادية الفردية أو الجماعية، أو للحفاظ على سلامة الحياة والعيش المشترك على هذا الكوكب. ولهذا كان لزاما قبل الحديث عن التسامح من التأصيل الديني والشرعي له، إذ ذلك يجعل الفكرة أكثر تقبلا وتنزيلها على المجتمعات المختلطة وبين مختلف مكونات سكان المعمورة أكثر يسرا. يمكن اعتبار التسامح جزءا من القيم والمبادئ الكلية التي دعت إليها الشريعة الإسلامية خاصة والاديان السماوية وغيرها عموما. إذ نصوص الأديان تزخر بتوجيهات ومبادئ وتعاليم تبرهن على أن الأصل في الوجود الإنساني هو تحقيق التعايش والذي لا يتأتى إلا بترسيخ ثقافة التسامح وتقبل الآخر المختلف، سواء كان الاختلاف دينيا أو عرقيا أو ثقافيا حضاريا... ويمكن إجمال الأصول الشرعية التي يتأسس عليها التسامح في المنظور الإسلامي، في أصل التعارف " لتعارفوا"، والتعايش إذ طبيعة الإنسان واجتماعيته تحتم عليه المعايشة والمساكنة مع الغير لتدبير مصالحه، وأصل التعاون فلا يستقل مخلوق بتحقيق متطلبات عيشه، أو حاجة إلى من يعينه على ذلك. ثم أصل التدافع الذي هو تدبير الاختلاف حول المصالح والمنافع بالحوار والتفاهم وهو الأصل أو بالقوة لردع العدوان وهو الاستثناء. وتتربع قيمة التسامح وسط مجموعة من القيم المحورية في الشريعة الإسلامية، بحيث لا يمكن تنزيلها بمعزل عن بقية القيم الأخرى، أو بالأحرى لا يمكن فهم التسامح إلا في علاقة الوشيجة التي تجمعه مع تلك القيم، وأهمها: قيمة الرحمة، وقيمة المغفرة، وقيمة الصفح، وقيمة العفو، وقيمة البر، وقيمة الإحسان... وهي قيم كلية وجامعة، يمكن اعتبارها محددات منهاجية للتصور الإسلامي. كما تقتضي قيمة التسامح تحقيق مبادئ مركزية لا تنفك عنها، ذلك أنه لا يمكن الحديث عن التسامح أو تنزيله في التعامل مع الآخر دون الأخذ بعين الاعتبار مبادئ أساسية ملازمة له، والتي يمكن حصرها أساسا في مبادئ: الحرية، والكرامة الإنسانية، والاختلاف الطبيعي أو السنني بين الناس. من هنا يمكن أن نرى آثار التسامح في بعديه الإنساني والحضاري، وقد تجلت مظاهرها على مختلف زوايا الحياة الإنسانية، وكانت عنصرا فعالا في احترام الخصوصيات والهويات المتعددة واعتبار التعدد الثقافي والحضاري غنى للبشرية لا بد وأن تحافظ عليه، وأن تحتفل بحضوره لتزيين مظهر الحياة على هذه الأرض، التي شاء القدر أن نتشارك العيش في أرجاءها والاستفادة من خيراتها.

الكلمات المفتاحية

التسامح ـ التعايش ـ الحرية ـ الكرامة ـ الاختلاف ـ الدين ـ الإنسانية ـ الحضارة