مجلة الدراسات العقدية ومقارنة الأديان
Volume 7, Numéro 2, Pages 1-39
2018-12-31

شرعية الاختلاف الانساني: الاصول التكوينية والمقاصد التشريعية

الكاتب : الدكتور محمد الصادقي العماري .

الملخص

إن الاختلاف من القضايا التي يساء فهمها واستيعابها، لكن إذا تتلمذنا لخطاب الشرع، وبذلنا الجهد، بل ستفرغنا الوسع، في تتبع موارد هذه القضية في نصوص الوحي، واجتهادات علماء الصناعة الأصولية، على مستوى التنظير والتقعيد، وعلى مستوى التفعيل والممارسة، يتضح لنا النظر الشرعي للحق في الاختلاف وشرعيته، وشرعية الاختلاف –وفق النظر الشرعي- تتأسس على أصول تكوينية، ومقاصد تشريعية. اقتضت إرادة الله التكوينية، أن يكون الناس مختلفين في عقولهم، ومداركهم، وميولاتهم النفسية، واستعداداتهم الفطرية، وقدراتهم الجسمية .. يقول تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ..﴾(هود: 118)، وهذا الاختلاف لا دخل لهم فيه، بل هو طبيعي فيهم، مخلوق فيهم ابتداء، مركوزا في فطرهم، يقول ابن عاشور: "الاختلاف دائم بينهم لأنّه من مقتضى ما جبلت عليه العقول" ، وحكم الله به عليهم في الأزل، يقول الإمام الشاطبي في شأن الاختلاف الواقع بين الخلق أنه: "سبق به القدر حتم عليهم ما هم عليه من الاختلاف" . لكن هذه الإرادة التكوينية في اختلاف الناس، وتباينهم في الأفكار والمعتقدات ..، لها مقاصد تشريعية، ومصالح إنسانية يجب أن تعرف، لأن معرفتها تساعد على فهم الاختلاف، وتدبيره، والاستفادة منه، يقول السعدي: "ومن عنايته بعباده ورحمته بهم أن قدر ذلك الاختلاف لئلا يقع التشابه فيحصل الاضطراب ويفوت كثير من المقاصد والمطالب" . وبناء على ما سبق، فإن للاختلاف الإنساني أصول تكوينية، ومقاصد تشريعية، عليها تتأسس شرعية الاختلاف، والحق فيه، فالله عز وجل أراد الاختلاف كونا، وحكم به بين الناس، سواء كان اختلافا في الأديان، والشرائع، والأفكار..، أو في الألوان، والألسن، والقبائل...، فكل ذلك مشيئة إلهية قدرية كونية، لكن وجه الإنسان إلى تلمس مقاصد هذا الاختلاف التشريعية ومنها: التعارف والتعاون ..، وقد جاء في الشرع ما يدل على هذه المقاصد والتنبيه عليها، في سياقات مختلفة، وأهم هذه السياقات: سياق تنبيه الخلق إلى أن اختلاف الشعوب والقبائل مقصده التعارف، وسياق اختلاف الظواهر الكونية مقصده التكامل، والجمال، واهتداء الإنسان إلى الإيمان بوحدانية الله وبوجوده .. وبالوقوف على الأصول التكوينية للاختلاف، ومقاصده التشريعية، وفق النظر الشرعي، يتم الاهتداء لحقيقة الاختلاف، وشرعيته، وبذلك نؤسس لفهم جديد للاختلاف الإنساني، متجاوزين بذلك كل دعاوى الصراع والصدام والنزاع ..، إلى مفاهيم أخرى تستمد أصالتها من القرآن والسنة، وهي: التدافع، والمسارعة للخيرات، والتعاون، والتعارف ..

الكلمات المفتاحية

الاختلاف، الارادة التكوينية، المقاصد التشريعية، المنهج، الاديان، العقيدة، المشترك،