مجلة الحقيقة
Volume 2, Numéro 2, Pages 119-147
2003-12-30

التنمية المستديمـــة بين تراكم الرأس المال واتساع الفقر

الكاتب : صالح عمــر فلاحـي .

الملخص

بدأ مفهوم التنمية المستديمة يطفو على السطح بقوة منذ أواخر القرن الماضي ليكتسي حلة أبهى وأكثر جاذبية من تلك التي ارتداها منذ عقود خلت، ومرد ذلك الضغوط المتزايدة على الإمكانات المتاحة في العالم المتقدم والمتخلف، انطلاقا من واقع كل منهما. غير أن الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها هي أن النمو الديموغرافي والتنمية الاقتصادية من جهة واستعمال الموارد البشرية من جهة أخرى كانت إحدى الظواهر التي لزمت البشرية في تطورها عبر الزمن. بمعنى أن التنمية المستديمة كانت وما تزال تشكل تحد لا يستهان به للمجتمعات والحضارات المتعاقبة. إن معالجة ظاهرة الاستدامة تعني ببساطة مواجهة المعضلات الأساسية التي تواجه تنمية الجماعة في عالم اليوم. وقد أثبت الواقع بأن النماذج التقليدية لم تستطع أن تحل مشاكل الغالبية العظمى من سكان المعمورة سيما تلك التي تعيش ظروفا بائسة في تاريخنا المعاصر. وفي الوقت ذاته، فإن المناهج المحددة للتقدم الاقتصادي قد أدت فعلا إلى إثراء فئات قليلة وحركت النمو في اقتصاديات وغيرت ملامح قطاعات في المجتمعات التقليدية، غير أنها لم تساهم في حل معظم حاجات الأفراد بل أفرزت ظاهرة التمايز الطبقي المقيت وأكثر من ذلك ساهم هذا التطور في استنفاذ الثروات الطبيعية وفي تدهور البيئة وغيرها. ومهما يكن فإن مفهوم التنمية المستديمة يعكس بشكل واضح الاعتراف بالتفاوت الصارخ بين الشعوب في المداخيل وفي المستويات المعيشية والصحية حيث تسعى الدول المتقدمة إلى الحفاظ عليها. أما الدول المتخلفة فسعيها ينصب أساسا في توفير الحد الأدنى من متطلبات شعوبها اليومية، ومن ثم فهي أبعد من أن تفكر جديا في التنمية المستديمة. وهكذا يبدو مفهوم التنمية المستديمة في غاية من التعقيد. ولإدراك ذلك يستوجب الوقوف على مختلف المجالات لاستجلاء ما أمكن من الحقائق حول هذا المفهوم. وفي ورقة البحث هذه سيتم التركيز على الإجابة عن التساؤلات التالية: هل تستطيع الدول النامية أن تعتمد على ما لديها من الثروات الطبيعية لتواجه معضلة الفقر؟ وما هي الشروط الواجب التركيز عليها والاستراتيجيات الممكن إرساؤها للانطلاق في تحقيق التنمية المستديمة؟ وما مدى جدية المنظمات الدولية والأقطاب الفاعلة في الساحة الدولية في تقليص الفجوة بينها وبين بؤساء الجنوب ؟ وما هو الدور المتوقع القيام به من طرف المنظمات غير الحكومية في هذا السياق؟ ومن أجل التعامل مع هذه الأسئلة وتشعباتها سيعتمد الباحث ثلاثة محاور يتناول أولها المفاهيم المختلفة للتنمية بشكل عام والتنمية المستديمة بشكل خاص. والمحور الثاني سيركز على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستديمة. أما المحور الثالث سيسلط بعض الأضواء على التفاوت الصارخ بين الشمال والجنوب مستندا في ذلك على الأرقام المستقاة من مصادر لها مصداقيتها

الكلمات المفتاحية

التنمية المستديمـــة، تراكم الرأس المال، اتساع الفقر