مجلة العلوم القانونية والاجتماعية
Volume 4, Numéro 2, Pages 345-380
2019-06-01

النظام العام والآداب العامة

الكاتب : سعيد السبوسي .

الملخص

تتسم إجراءات التقاضي في كثير من الأحيان بالبطء والتعقيد، ولذا فإن اتفاق الأطراف على التحكيم يكشف عن رغبة في حسم ما قد يثور بينهم من خلافات وينزع إلى حد كبير صفة الخصومة ويقضي على طول الإجراءات، والتحكيم هو اتفاق أطراف علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية، على أن يتم الفصل في المنازعة التي ثارت بينهم بالفعل أو التي من المحتمل أن تثور عن طريق أشخاص يتم اختيارهم كمحكمين ويتولى الأطراف تحديد أشخاص المحكمين أو على الأقل يضمنون اتفاقهم على التحكيم بياناً لكيفية اختيار المحكمين أو أن يعهدوا لهيئة أو مركز من مراكز التحكيم الدائمة لتتولى تنظيم عملية التحكيم وفقاً للقواعد أو النتائج الخاصة بهذه الهيئات أو المراكز. ويكتسب التحكيم أهمية بالغة فإذا كانت له مزايا على الصعيد الوطني إلا أن أهميته تزداد تجاه المنازعات ذات الطابع الدولي، لأن الأمر ليس متروكاً في حالة تنازع القوانين لقواعد الإسناد التي قد تؤدي إلى تطبيق قانون قد يصدم توقعات الأطراف، وإنما يختار أطراف العلاقة القانون الواجب التطبيق ولا مراء في أهمية هذه المزية التي يحققها التحكيم في علاقات التجارة الدولية لأن أطراف عقود التجارة الدولية في الغالب ينتمون إلى جنسيات مختلفة وأنظمة قانونية متباينة مما يجعل من العسير خضوع طرف لقانون بلد الطرف الآخر الذي هو ثمرة ثقافة وحضارة وتقاليد غريبة عنه . يضاف إلى ما سبق أن تعقد المعاملات التجارية وتعلقها في الغالب بشروط وتفاصيل فنية كثيرة تضطر القاضي للاستعانة بالخبراء وإعداد تقارير فنية ولا شك أن المحكم الخبير أقدر على استيعابها من رجل القانون حيث لا يشترط التشريع أن يكون المحكم رجل قانون فقد يكون مهندساً أو طبيباً أو رجل أعمال مما يجعله مؤهلاً لفهم وإدراك طبيعة النزاع والإمساك به دون أن يكون مضطراً للاستعانة بالخبراء. وفي إطار سعي الدول وخصوصاً النامية منها إلى جذب المستثمرين، فقد لجأت إلى النص صراحة في تشريعاتها على التحكيم كوسيلة لحل منازعات العقود الدولية لما في ذلك من أثر طيب في بث الطمأنينة في نفوس هؤلاء المستثمرين ويجعلهم بمنأى عن هواجس التحيز وميل القضاء الوطني لحماية مصالح الدول محل العلاقة .وإذا عرفنا أن علنية الجلسات والمرافعات تعتبر من أسس النظم القضائية، لبدا واضحاً أهمية النص في العقود التجارية التي تتضمن سرية الشروط وخاصة عقود نقل التقنية أو تراخيص استغلال براءات الاختراع على اختيار التحكيم كوسيلة لفض المنازعات، فيمكن نظر النزاع في جلسات لا يحضرها سوى أطراف النزاع وممثليهم، كما يحق لهم اشتراط عدم نشر الأحكام وهو أمر لا يتسنى تحقيقه بالنسبة لأحكام القضاء . والتحكيم له مزاياه وعيوبه شأن في ذلك شأن أي نظام تشريعي وضعي إلا أنه أصبح واقعاً قانونياً علينا أن نأخذ به ونقلص من عيوبه بسن التشريعات الوطنية التي تكرس النصوص الكفيلة بتحقيق التوازن وضمان حسن وكفاءة عملية التحكيم الذي يتم داخل البلاد. وفي هذا الإطار نظم المشرع الإماراتي أحكام التحكيم في قانون الإجراءات المدنية الاتحادي رقم 11 لسنة 1992 بما فيها بطلان حكم التحكيم والذي أجازه المشرع في عدد حالات منها إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم، ومخالفة النظام العام والآداب العامة تعد أيضاً أحدى صور البطلان في الحكم. هذا إلى جانب ما نص عليه قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لسنة 1985 في حالة عدم اعتراف المحكمة بحكم التحكيم إذا كان يتعارض مع السياسة العامة لهذه الدولة أي مخالف للنظام العام والآداب العامة فيها. لذلك يهدف هذا البحث إلى دراسة موضوع النظام العام والآداب العامة وأثرهما على تنفيذ أحكام التحكيم وبيان الصعوبات القانونية التي يثيرها هذا الموضوع في ظل النظام القانوني الإماراتي مع محاولة وضع حلول قانونية لمواجهة هذه الصعوبات .

الكلمات المفتاحية

النظام العام ; الآداب العامة