التراث
Volume 4, Numéro 7, Pages 69-103
2014-12-15

عبدالقادر بن عمر البغدادي و منهجه في تحقيق النصوص في كتابه خزانة الأدب

الكاتب : محمد ضياء الدين خليل إبراهيم .

الملخص

الحمد لله ربِّ العالمين، وأشرف الصلاة وأتم التسليم على سيد الأولين والآخرين ،سيدنا ومولانا محمد المصطفى الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين . أمَّا بعد: فقد عني المتقدمون من علماء العربية الأوائل بالتحقيق والتدقيق، وعرفوا بالضبط والإفادة ،حتى تهيأ لهم منهج قويم، قائم على أسس متينة، بل إنَّه يعد أدق منهج يحتذيه قلة من المحققين المعاصرين . ولعلَّ عناية المتقدمين بكلام الله العزيز ،وقراءاته، والعمل على ضبطه، ثم عنايتهم بالحديث الشريف وأسانيده، ورواته كل ذلك دفعهم إلى أن يأخذوا أنفسهم بالصعب من المسالك ،فيضبطوا ،ويجيدوا في علومهم المختلفة من منظوم ومنثور. فتحقيق النصوص ليس من مبتدعات عصرنا الذي أخذ فيه المحققون بالمنهج العلمي ،وليس من مبتدعات المستشرقين على إبداعهم و إجادتهم في نشر ذخائر التراث العلمي العربي كما يظنُّ بعضهم. لكن الحقيقة بخلاف ذلك، فقد قام فن تحقيق النصوص عند العرب مع فجر التاريخ الإسلامي ،وكان لعلماء الحديث اليد الطولى في إرساء قواعد هذا الفن في تراثنا العربي، وتأثر بمنهجهم هذا أصحاب العلوم المختلفة . فقد بدأ علماء المسلمين بهذا المنهج العلمي ،وأخذوا أنفسهم بكل صرامة في سبيل الوصول إلى الحقيقة ،وليس أدل على هذا من الخدمة الصادقة ،التي أولوها للحديث النبوي الشريف ،فانتهت تلك العناية بتوصيلهم إلى علوم الحديث. فالقواعد التي وضعها الأئمة منذ قرون عديدة للتوصل إلى صحة الأحاديث النبوية الشريفة ،تتفق في جوهرها واتجاهها و الأنظمة التي أكتشفها علماء أوربا فيما بعد في بناء المخطوطات ومعالجاتهاُ فهذه القواعد السديدة التي وضعها المحدثون للتوثق صحة الحديث النبوي ،ودقة رواية مصنفاته، وإخراجها على خير وجه علمي، طبقها أسلافنا من العلماء بالعربية والشعر القديم تطبيقاً واسعاً حتى ينفوا عنها الزيف والنحول .وإنَّ كثيرا مما نقوم به اليوم من خطوات في فن تحقيق النصوص ونشرها ،بدءاً من جمع المخطوطات والمقابلة بينها ،ومروراً بضبط عبارتها وتخريج نصوصها ،,وانتهاءً بفهرسة محتوياتها لَمِمَّا سبقنا به أسلافنا العظام من علماء العربية الخالدة. ويعد عبد القادر بن عمر البغدادي ت( 1089 )ه، صاحب كتاب خزانة الأدب وغيرها من المصنفات مثالاً طيباً للعالم الواسع الاطلاع على المكتبة العربية بفروعها المختلفة . وهو في تحقيق النصوص لا يبارى ولاسيَّما في كتبه الخزانة ،فهو يقابل بين النسخ ،ويجتهد في تخريج النصوص ،ويترجم للعلماء والشعراء ترجمة وافية، ويكمل أبيات الشعر ويخرجها ،وينسب الأبيات المجهولة ،ويشير إلى اختلاف الروايات في البيت الواحد ،وغير ذلك مِمَّا ينادي به علماء التحقيق في العصر الحديث ،وغير ذلك مِمَّا يفوق الحصر والعدَّ والتمثيل مِمَّا يتضح لطالب علم الخزانة ،جوانب متعددة توضح مدى اهتمام البغدادي بتحرير القضايا المدروسة، و المسائل المناقشة، والآراء والأقوال المعروضة، والتوثيق والتحقيق في كل ذلك غاية التوثيق والتحقيق. إنَّ هذا الخلق العلمي الذي تميز به عبد القادر البغدادي وعرف به ليستحق الإشادة والوقوف عندها ودراستها دراسة علمية تظهر المنهج الذي سلكه واعتمد عليه في تحقيق للنصوص التي نقلها وأوعها في خزانته ، التي تعد أعلى موسوعة في علوم العربية وآدابها وليس هذا مبالغة فقد شحنه بالنصوص النادرة وحفظ لنا به بقايا من كتب قد فقدت أو اندثرت مع تمام العناية بالنقد والتحقيق لكل ما يورده من ذلك .فأردنا أن نقف عند منهجه في تحقيق النصوص في ضوء كتبه الخزانة ،فنحلل قواعد هذا المنهج ،ونشرح أسسه، ونظهر مرتكزاته، ونبين الجديد فيه.

الكلمات المفتاحية

خزانة الأدب، تحقيق، النصوص، علوم العربية.