مجلة صوت القانون
Volume 1, Numéro 2, Pages 207-225
2014-10-10

واقع الالتزام الدولي بحماية البيئة في اتفاقيات تحرير التجارة العالمية

الكاتب : حميد فلاح .

الملخص

منذ مؤتمر ستوكهولم للبيئة الإنسانية عام 1972 حتى مؤتمر جوهانزبورغ العالمي للتنمية المستدامة عام 2002 إلى مؤتمر المكسيك مؤخرا طور المجتمع البيئي الدولي ومن خلال منظمة الأمم المتحدة العديد من الإتفاقيات البيئية العالمية التي وقعت وصادقت عليها معظم دول العالم . وتجاوز عدد الإتفاقيات البيئية الدولية الثلاثين إتفاقية شملت العديد من القضايا مثل التنوع الحيوي والمناخ وطبقة الأوزون والتصحر والكائنات المعدلة وراثيا وغيرها، وقد تضمنت هذه الإتفاقيات العديد من المبادئ الأساسية التي تعتبر روح هذه الإتفاقيات وروح التعاون الدولي في سبيل الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية. وهذه المحاولات شكلت جهودا كبيرة من المجتمع الدولي قصد وضع قواعد خاصة ومتميزة في إطار القانون الدولي العام لإقرار المسؤولية الدولية عن تلويث الدولة للبيئة، حيث يفترض أن الضرر لم يعد يصيب دولة بعينها بل كافة الدول، كما أن القضاء الدولي من جهته عزز هذا التوجه من خلال المبادئ التي إستخلصها بمناسبة القضايا التي نظر فيها عبر الدعاوى التي رفعت أمامه. غير أن التحدي الكبير بالنسبة لحماية البيئة يبدو أنه تعاظم منذ إقرار نتائج جولة أوروجواي لتحرير التجارة العالمية، حيث أصبح الإقتصاد العالمي يواجه موجة متسارعة من عمليات تحرير القطاعات ذات البعد التجاري وغل يد الدول عن التذرع بحماية البيئة بعد إنخراطها في النظام الدولي التجاري الذي تشرف على إنفاذه المنظمة العالمية للتجارة، ذلك أن كل تدخل للدولة لوضع قيود تشريعية أو إجرائية لحماية البيئة قد يشكل في نظر الشركاء التجاريين مساسا بمبدأ تحرير التجارة العالمية ومن ثم مساسا بمنافع الدول الأخرى الأطراف في المنظمة العالمية للتجارة وعليه تصبح الدولة تحت طائلة المسؤولية الدولية الناتجة عن مخالفة الشرعية الدولية التجارية، حيث يفترض أن الدولة التي إنضمت إلى المنظمة المذكورة قد قامت بتكييف تشريعاتها الوطنية بما تمليه القواعد والمبادئ التي تحكم عمليات تحرير التجارة العالمية المنبثقة عن إتفاقيات دولية ملزمة لأطرافها الغرض منها حسب أنصار هذا الإتجاه تحقيق ظاهرة الإعتماد الدولي المتبادل في مجال التجارة الدولية التي تهدف إلى تحقيق الرفاه والنماء الإقتصادي لكل الشعوب وعلى نطاق واسع لكن هذا الطرح بدأ يلقى إعتراضا واسعا من قبل المعارضين للمنظمة العالمية للتجارة إلى درجة أن تشكل مجتمع مدني عالمي مناهض للعولمة ولتحرير التجارة العالمية طالما أن إتساع مبدأ تحرير التجارة يمس أو يقوض التنمية المستدامة التي تعد إحدى أهم أهداف المؤتمرات الدولية الرامية إلى خلق إلتزام دولي صريح بضرورة إدخال البيئة ضمن عمليات التنمية بل إلى الحد الذي يضمن سير كلا العمليتين بالتوازي. فالمعروف أن تحرير التجارة سيؤدي إلى إستنزاف الكثير من الموارد الطبيعية غير المتجددة كالمياه الجوفية أو الغابات أو موارد التعدين في إنشاء صناعات جديدة وتوسعة الصناعات القائمة، وإذا ما ترافق ذلك مع توجه تنموي غير مستدام والكثير من التهميش لمجتمعات العالم الثالث، فإن تأثيرا سلبيا سوف يقع. ويجادل البيئيون في العالم بأن مؤشرات النمو الإقتصادي المتبعة دوليا مثل الناتج القومي الإجمالي أو نصيب الفرد في مؤشرات مالية بحتة لا تأخذ بعين الإعتبار خسارة الرأسمال الطبيعي وإستنزاف الموارد الطبيعية المرافق لهذا النمو الإقتصادي كما أن الأرباح التي تتحقق عن هذه المشاريع تكون عادة لصالح الشركات العالمية الكبرى والتي تستغل الموارد الطبيعية للعديد من الدول التي بحاجة إلى التنمية تحت حجة تشجيع الإستثمار، ومن ثم تطرح هذه الورقة إشكالية مفادها مدى قدرة إتفاقيات تحرير التجارة العالمية على صياغة قواعد ومبادئ أكثر تخصصا للتوفيق بين تحقيق الرفاه الإقتصادي ومتطلبات حماية البيئة وتسمح للدول بالتدخل للحد من ظاهرة التدهور البيئي؟

الكلمات المفتاحية

البيئة، اتفاقيات التحرير التجارة الدولية