الاكاديمية للدراسات الاجتماعية و الانسانية
Volume 9, Numéro 2, Pages 03-15
2017-07-01

الخليفة والمنجِّم: سياسة التَنجيم الحَكَمي في بدايات العصر العبَّاسي - الخليفة المنصور وتحفيز ثقافة التنبؤات

الكاتب : العباسي عبير عبد الله عبد الوهاب .

الملخص

بدوافعَ من رغبة عارمة سيطرت على العقلية الحاكمة لخلفاء الدّولة العبَّاسية الأُوَل، بخصوص تأصيل فكرة "شرعيَّة حاكميتهم،" استنفذ العبَّاسيون كل جهد ممكن )بكل درجاته: من الرصين إلى المستهجن(، يساهم في إقناع محكوميهم بأهليتهم كخلفاء شرعيين مستحقين عن جدارة للخلافة، دونا عن غيرهم من سلفهم الأمويين الذين أسقط العبَّاسيون دولتهم في العام 132 / 749 ، ومن الطامعين في السلطة من الأحزاب السياسية العديدة التي ظهرت منافسة لهم في دعوى الأحقية في الملك. في استجابة لذلك الهاجس السياسي، وظَف العبَّاسيون عديداً من التقنيات، متعددة الأوجه ومتفقة الأهداف مع الإيديولوجية العبَّاسية الحاكمة التي كانت في طور التكوين والتأسيس. على وجه الخصوص، شُغف العبَّاسيون بالأعلى والأدنى درجةً من تلك التقنيات، وهما: 1- لوي عنان الفهم لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية )ذات الصلة بمفاهيم "استحقاق الحاكميَّة"( لتتفق والرؤية السياسية للعبَّاسيين؛ 2- توظيف كل ممكن من فروع المعارف الغيبيَّة )بخاصة ذات الهدف التَّنبَّؤي(، من مثل:الغوامض occult )ومن فروعها الكهانة والعرافة(، علوم الخواص esoteric ، والميتافيزيقيا .metaphysic التنجيم، تحديدا، الذي كانت طبيعته، في أوائل ذلك العصر، مزيجا من علم الخواص والميتافيزيقيا، حصل له بعث من جديد على أيدي أوائل الخلفاء العبَّاسيين، بعد أن كان قد خبت ضوؤه في العصور السابقة لهم، تحديدا خلال عصري المبعث النبوي والرَّاشدين، وإلى حدٍ ما عصر الأمويين، وذلك لأسباب مفهومة—تتعلق بتحريم الإسلام لهذا النوع من المعارف البشرية. هذا البحث يدرس ظاهرة البعث لعلوم التنجيم على أيدي العبَّاسيين، في فترة حكم الخليفة أبي جعفر المنصور تحديدا )ح. 136 - 185 / 754 - 775 (؛ باعتباره المؤسس الحقيقي للدولة العبَّاسية وعرَّاب نظم الحكم فيها، ويصب اهتمامه على كشف الكيفية التي حصل بها ذلك البعث، والأسباب الداعية له. البحث يوظف منهجية تاريخية كرونولوجية تتبع الأحداث التاريخية حسب تسلسلها الزمني في التوصل لتلك الدواعي، وتكشف كيفيات وأسباب ذلك البعث من خلال ربطه بطبيعة كلٍ من التنجيم والإيديولوجية الحاكمة في ذلك العصر. بناءً عليه، فالبحث يؤطِّر لرؤية تذهب إلى أن السبب الرئيس الذي بعث لأجله المنصور المعارف التَّنجيمية من جديد كان رغبته الملحة في التأسيس لسمات حاكميَّة خاصة، تميز طبيعة خلافة العبَّاسيين، ذات صلة بمفهوم "الخلافة المثالية." للتوضيح أكثر، المسألة الجدلية التي يدور حولها النقاش في هذا البحث هي أن إيديولوجية الفكر العبَّاسي الحاكم، على عكس الإرادة الدينية السائدة، منحت العامة حرية الاعتقاد في التنجيم، وفتحت ساحات بلاط السلطة الحاكمة لممارسة نشاطاته – دون قيود ملزمة من سلطة دينية – بغرض تحقيق أهداف سياسية، لم تكن لتتحقق بغير عون من تلك المعارف التنجيمية. لوضعها جليَّة، الطبقة الأولى من خلفاء بني العبَّاس بعامة والمنصور بخاصة، اعتبروا التنجيم أداة لا غنًى عنها في تأكيد "سلطتهم المطلقة" كحكَّام شرعيين. وعليه، فدافعهم لتوظيف التنجيم، ضمن التقنيات المؤكِّدة لهذا المفهوم "السُّلطوي" بمعناه "المطلق،" كان لقدرة التنجيم على عكس وتأصيل بعض السمات الخاصة بمفهوم "السلطة المطلقة،" كما تصورها العبَّاسيون، على أنها: شرعيَّة، حتميَّة، وأبديَّة. والتنجيم كان أداتهم التي قنَّعوا بها تلك الرغبات السياسية للحكّام العبَّاسيين، وألبسوا أنفسهم من خلالها رداء الفارس المدفوع "قَدَرا" لإنجاز ‘مهام نبيلة،’ غايتها تحقيق ‘صالح اجتماعي’ للمحكومين، لا ‘لإشباع ملذات سياسية’ للحَاكِمين. Obsessed with the notion of ‘legitimacy of rulership,’ the early Abbasid caliphs employed all possible techniques (these ranged from the sophisticated (sacred) to the trivial (profane)) to convince their subjects of their status as ‘rightful caliphs.’ To fulfill their political ambitions, the top priority of this double-faceted convincing strategy was (1) the manipulation of Qur’anic verses along with the Prophetic Hadiths; and (2) the application of various branches of divination (the occult, the esoteric, and the metaphysic). Astrology, in particular, with its reputation for age-old wisdom, was reintroduced for the purpose of establishing certain ruling characteristics contributed to the idea of ‘ideal caliphate.’ I am arguing that the Abbasid imperial ideology allowed astrology to operate freely and participate openly in court activities to satisfy political agenda; astrology was considered by the early Abbasid caliphs as being an indispensable tool for affirming the comprehensive authority of their rulership. The Abbasids’ motive behind these political policies was to reflect certain aspects of their rulership fundamental to the notions of a legitimate, absolute, and everlasting ruling-dynasty. This cloaked their political agenda in guise of the claim of accomplishing a noble mission.

الكلمات المفتاحية

ثقافة النُّبوءات، الخلافة العبَّاسية، التنجيم السياسي/الحَكَمي، بواعث إحياء تنجيم العصور الإسلامية الوسطى، صورة الخلافة المثال )النموذج(، الخلفاء الشرعيُّون، الخليفة المنصور. Culture of omens, Abbasid Caliphate, Political/judicial Astrology, Revival of medieval Muslim Astrology, Ideal Caliphate, Legitimate Rulers, The Caliph al-Mansūr.