التّواصل الأدبي
Volume 8, Numéro 1, Pages 11-68
2019-01-01

شعرية الاغتراب في رواية بروكلين هايتس

الكاتب : علاء عبد المنعم إبراهيم دكتور .

الملخص

مثلّتْ التشكُّلاتُ الدرامية لفعل الاغتراب أحدَ المرتكزات الموضوعية للخطاب الروائي العربي الحديث، الذي استثمر "الاغتراب" –وفقًا للشروط الجمالية- واستدرجه إلى منطقة المراجعة؛ لتوطيد غايته في إدانة الأطر الفكرية والثقافية للآخر الغربي المُستعْمِر، أو لمُعادِلِه السلطوي الإقليمي أو المحلي، ولتبيان خداع بعض ما يكتسي المظهر البرّاق أو المثالي في المركزيتين الغربية والشرقية، ولبناء نسق تاريخي للتحوّلات التي أصابت المجتمعات العربية في مواجهتها للغرب، أو في استقبالها لجملة من التغيرات التي أعادتْ تشكيل بنيتها الداخلية، ولغيرها من القيم الوظيفية ذات الأبعاد الأيديولوجية والأبيستمولوجية، وأحيانًا الأثنية، وإن ظلت هذه السرود –بطبيعة الحال- تسيِّج الفعل بأُطره الطبعية المُباطِنة لأشكال العلاقات الإنسانية، بطبيعتها المتشابكة وتأثيراتها المتبادلة. وفي ظل مجتمع أبوي ترسخ أعرافه الثقافية لنوع من التمييز بين الجنسين، وتكرِّس لثنائية المتن والهامش، فقد ظلت الصياغات الإبداعية للاغتراب حكرًا على الرجل المؤلِّف أو الرجل الشخصية، فأصبح من المألوف أن يكون بطل الروايات التي تتناول موضوع الاغتراب والخروج والارتحال رجلاً بالمفهوم الجنسي الكامل، أما المرأة فقد كان نصيبها في أفضل الأحوال الحافة المعنوية للفعل، ليغدو الاغتراب المعنوي/النفسي هو البديل الممكن للمرأة، وهو بديل خاضع لشروط السياق الإبداعي، وأهمها أن يتم تأطير هذه الممارسة بالحس الذكوري، فيُقْحم الرجل في تضاعيف النص، ليكون حضور المرأة مرتبطًا بحضور حضرة المُحترَم الزوج، أو الأب، أو الأخ...إلخ داخل العمل. ثم تدفقت المتون الروائية النسوية محاولةً تعويض فترة تغييبها، وإعادة الاعتبار للفكر النسوي انطلاقًا من مواقف معينة تصوِّر شخصية المرأة وعلاقتها بمحيطها، ومركزية دورها في الحياة وصولاً إلى رؤيتها للعالم، دون أن تغفل عن الانتقام من ذاك الذي أدَّى دورًا رئيسًا في تهميشها واضطهادها واستلاب حقوقها، لتتشكَّل عبر مسار تاريخي مضطرب حاضنةٌ ثقافية للسرد النسوي تمارس سطوتها على الذات المُبدِعة، وتوجِّهها إلى الاستناد في صياغتها الفنية إلى عدة مكونات أبرزها "نقد الثقافة الأبوية الذكورية، واقتراح رؤية أنثوية للعالم، والاحتفاء بالجسد الأنثوي" . تطرح رواية "بروكلين هايتس" للروائية المصرية "ميرال الطحاوي" نفسها بوصفها نصًا نسوي المصدر والموضوع، يستند إلى حالة الاغتراب التي تعيشها بطلة العمل وساردته، دون أن يبرح مقاربة القضايا التي عالجتها الروائيةُ في أعمالها السابقة ؛ كقضايا التنوُّع الثقافي، والهويات، والهجرة، وما بعد الاستعمار، من خلال سرد تجربة البطلة "هند" التي تسافر إلى الولايات المتحدة -وبالتحديد إلى حي "بروكلين هايتس" القديم بنيويورك- بعد أن هجرها زوجُها الخائن، تسافر مخلفةً وراءها واقعًا مشحونًا بالفقد والخيانة والتفسُّخ، تهاجر إلى بلاد "العم سام" بمُصاحبة طفلها وذكرياتها، لتبحث عن العمل، والحب، والذات. تغوص في تفاصيل حياة القاطنين في هذا الحي بأعراقهم المختلفة، وتستدعي في الوقت نفسه سياقها الشرقي، راصدة ما أصابه من تحوّلات اجتماعية وسياسية وتاريخية، أثَّرتْ في علاقات أفراده ومصائرهم. تنهض الدراسةُ على ثلاثة مبادئ أساسية هي: - النظر إلى التَشَكُّل بوصفه فعلاً إنتاجيًا ثنائي المصدر، يتمخض عن حالة تفاعل بين المُبدعِ ومتنه المُختزِل رؤاه الفكرية، وقناعاته الذهنية من جانب، والمتلقي الذي يؤسِّس في أثناء تعاطيه مع المسرود متنًا موازيًا لا يتطابق بالضرورة مع مقصدية متن المبدع من جانب آخر، وما بين المقصدية الإبداعية والمقصدية الاستقبالية يحضر "التشكُّلُ" كما تعنيه الدراسةُ، ومن ثم فإن الرؤية التحليلية لن تتوقَّف عن حدود مظاهر البناء وآليات الهيكلة والتنظيم، وإنما ستتعدّاها إلى ما يرتبط بها من قيم جمالية، ودلالية، وأيديولوجية، تُمثِّل جوهر الظاهر النصي، خاصة فيما يتعلق بالجانب النسوي الذي لا يمكن مقاربته بمعزل عن سياقاته الحضارية والاجتماعية والثقافية، وما يرتبط بها من توافق مع الثقافة المهيمنة أو تخالف معها. - الإيمان بأن الوصول لوعي أعمق ببنية الخطاب النسوي الإبداعي-في اختلافاته وتآلفاته- يرتهن بتواصل الجهود التحليلية المعنية بالقضايا الجزئية التي تناولها هذا الخطاب، ومنها قضية الاغتراب. - الوعي بأن النسوية توثِّق حمولتها المعرفية والفلسفية في مختلف تدابيرها، ومنها السرد، الذي هو سرد تعدُّد وليس سرد صدام مع سرد الرجل، فالاختلاف البيولوجي بين الجنسين، وما ينتجه من فروقات هي في حقيقتها عوامل مُحايدة تنعكس بصورة أو بأخرى –وبدرجات متباينة- على التقنيات التعبيرية، دون أن تتحوّل إلى معايير تفاضلية، ليصبح من التعسف تبريرُ أشكال التمظهر النصي لأية ظاهرة أو قضية مُحلَّلة، بوصفها انعكاسًا مباشرًا للتصنيف الجنسي، فمقاربة المنظور النسوي لا يفرض بداهة أن التمايز الجنسي سيؤدي إلى تمايز حاد على مستوى التشفير الإبداعي وقيمه الجمالية، وهو ما يفترض وجود مُشتركات في الرؤى، ووجود تمايُزات تستجيب لمنطق الخصوصيات، وتتجلّى حينًا وتتوارى حينًا. تتوزّع الدراسة على أربعة محاور هي: أ‌. انفتاح السرد ..البنية الدائرية. ب‌. النص المؤنث...احكي يا شهرزاد. ج. الفضاء الزماني..الاستعارة الكبرى. د. اللغة وتجليات الاغتراب. (الاغتراب-النسوية- الشعرية- بروكلين هايتس)

الكلمات المفتاحية

الاغتراب ; النس ; ية ; الشعرية ; بر ; كلين هايتس