فتوحات
Volume 1, Numéro 1, Pages 50-66
2015-01-10

نظرية الاستغراب في الفكر العربي المعاصر

الكاتب : محمد سالم سعد الله .

الملخص

قاد الوعي الإنساني مسارات التجربة الحضارية ، وأسهم في بلورة معرفتها ، وتنوع ثقافاتها ، مرتكزاً في إبداعه على خصوصية في الطرح ، وفرادة في المعالجة ، وتمايز في التقديـم ، وقد منح هذا التركيز العلمي الأممَ والشعوب ـ على اختلاف أجناسهم ـ حدوداً مؤطرة من الاشتغالات الفكرية والفلسفية ، فعُرفت من خلالها الذات المنتِجة ( الأنا ) واتضحت بالاختلاف الذات المستقبِلة ( الآخر ) ، وسار الطرفان ( الأنا والآخر ) في أحداث التأريخ وصفحاته تكاملاً مرة ، وتأثيراً وتأثراً مرة ثانية ، وصراعاً مرة ثالثة ، وحواراً مرة أخرى . ونظراً للإشكالية التي تحدد طبيعة علاقة ( الأنا والآخر ) بين التمايز والخصوصية ، أو بين الدمج والتغييب ، أو بين الغالب والمغلوب ، أو بين الدونية والفوقية ، اتجهت الدراسات المعرفية إلى بيان طبيعة العلاقة بين هذه الثنائية وما يحيط بها على صعيدين اثنين: الأول : الانطلاق من دراسة ( الأنا ) برؤية ( الآخر ) . الثاني : الانطلاق من دراسة ( الآخر ) برؤية ( الأنا ) . مثّل الاتجاه الأول الدراسات الاستشراقية، ومثّل الاتجاه الثاني الدراسات الاستغرابيـة ، وتحددت طبيعة العلاقة بين ثنائية ( الأنا والآخر ) في الاتجاه الأول بانهزامية الذات المدروسة في مقابل الذات الدارسة ، في حين سعى الاتجاه الثاني إلى إيجاد نوع من التوازن بين الذوات المعرفيـة ، ومحاولة وضع النتاجات الحضارية في ميادينها التي أُنتجت فيها دون تغييب أو إقصاء أو تهميش ، فضلا عن دراسة تجارب الآخر ومعطياته الحضارية ضمن احترام الحواجز الثقافية بين الحضارات أولاً ، والاعتراف بالمنجزات التأريخية ثانياً ، وتسجيل المواقف النقدية التحليلية ثالثاً التي تسهم في اقتناص المكاسب والتأثر بها ، وتحديد المزالق وتجاوزها . شغلت ثنائيات مثل : التراث والحداثة ، الأصالة والتحديث ، الأنا والآخر ، التقليد والإبداع ، المحافظة والمعاصرة ، الموروث والتطوير ، ... إلخ ، شغلت حيزاً كبيراً من جهود المفكرين العرب المحدثين، وأخذت منهم مساحات واسعة من الجدل والحوار بل وحتى الصراع على تحديد الأهم فالمهم فالأقل أهمية ، ورسم سلم أولويات الاشتغال الحضاري والإنتاج الإنساني ، بعدما مُنيت الحضارة العربية الإسلامية ـ وبتأثير عوامل عدة ـ بتراجع كبير ، وبسبب ذلك توالت الضربات تلو الضربات على هذه الحضارة المنكسرة ، واتخذت صور معاداتها أشكالاً مختلفة منها العسكري الذي جلب الاحتلال المباشر للدول العربية والإسلامية ، ومنها الثقافي والمعرفي الذي جلب الاحتلال غير المباشر عن طريق اللغة والأفكار والفلسفات ، ومنها الإعلامي والمعلوماتي الذي جلب الانبهار وعدم الثقة بالموروث . وكان لابد أمام هذه الضربات من وقفات ، وبدأت هذه القضية تؤرق المفكرين والمثقفين العرب ، وبات سؤال كيفية المواجهة يطرق كل الألسن ، بعدما عجز السلاح عن تحقيق مطامح الأمة ، وتخاذل عن ردّ الحقوق ، وتراجع عن إنصاف المكانة المرموقة التي تبوءتها هذه الأمة في يوم من الأيام . يعالج البحث هنا في هذا السياق الطروحات النظرية للمفكرين العرب المعاصرين حول تحديد طبيعة العلاقة بين ( الأنا والآخر ) في إطار كون ( الآخر ) موضوعاً للدرس في إطار ما اصطُلح عليه بـ( الاستغراب : Occidentalism ) ، من خلال مبحثين اثنين هما : 1. علم الاستغراب : المقدمات والنتائج . 2. علم الاستغراب : النقد والتوجيه . ويعكس هذان المحوران إمكانية التعامل النظري العربي المعاصر مع ميدان الدرس العلمي للحضارة الغربية ، كما يقدمان طرائق مهمة لرسم القيمة الحضارية للموروث ، والتعامل الناجع مع معطيات ( الآخر ) تقويماً وتقييماً ، فضلاً عن تحديد معايير عقلانية في التعامل مع الدرس العلمي للـ( الآخر ) انطلاقاً من الإيمان بنسبية التفوق ، مروراً بتشخيص الأزمات ، وصولاً إلى بناء تصورات كلية عن المنطلقات والمقولات والنتاجات .

الكلمات المفتاحية

علم - استغراب - نظرية - فكر - معاصر - استشراق