دراسات قانونية
Volume 10, Numéro 21, Pages 77-84
2014-08-01

المعالجة التشريعية لظاهرة الهجرة غير الشرعية في الجزائر

الكاتب : محمد زغو .

الملخص

"لو كنت مواطنا من دول الجنوب لغامرت أكثر من مرة حتى الوصول إلى أوربا" هذا ما عبر عنه رئيس وزراء إسبانيا سابقا "فيليبي غونزاليس" بمقولته الشهيرة. "الحرقة" في اللغة العامية تطلق على مغادرة الإقليم الوطني بصفة غير مشروعة و"الحراقة" بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين المغادرين للوطن، وهي كلمة مشتقة من الحرق، تعني أولئك الذين يهاجرون إلى الدول الأجنبية (الأوروبية والأمريكية خاصة)، دون احترام القوانين والإجراءات المتعلقة بالهجرة، أي دون حمل جواز سفر ودون الحصول على التأشيرة وغيرها من الإجراءات اللازمة للسفر إلى تلك الدول، وقد تم توظيف مفهوم الحرقة في مجالات أخرى تدل بشكل عام على عدم احترام القانون، فمثلا حرق إشارة المرور أي لم يحترم الضوء الأحمر فتجاوز بسرعة دون توقف، وحرق التأشيرة أي لم يحترم مدتها فتجاوزها، وحرق الطابور أي لم يحترم الدور وتخطى من قبله. كما أن الحراقة عادة ما يقومون بحرق كل الأوراق التي تثبت هويتهم أو يتركونها وراءهم حيث لا أمل للرجوع إلى الوراء، وهذا معطى آخر يزكي الأصل الاشتقاقي لمفهوم الحرقة( )، وقيل إن سبب التسمية يعود إلى أن الحراق عندما يقرر السفر إنما يحرق وثائقه التي تربطه ببلده الأصلي، بل يحرق ماضيه كله رغبة في واقع جديد. وقد مرت ظاهرة الهجرة غير المشروعة بالجزائر تقريبا بنفس المراحل، فظهرت في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وذلك بتسرب بعض المهاجرين داخل السفن التجارية الراسية بالموانئ، للسفر خفية على متنها، فتصدى المشرع لذلك بتجريم الفعل بموجب القانون 05/98 المعدل والمتمم للتقنين البحري، فيما اتجه البعض الآخر من المهاجرين إلى سلوك الطرق البرية باتجاه الأراضي المغربية، ومن هناك وبتدبير من شبكات مختصة في تهريب المهاجرين مقابل مبالغ مالية معتبرة إلى السواحل الإسبانية التي لا تبعد إلا بحوالي 14 كلم عن السواحل المغربية، أو شرقا عبر السواحل التونسية نحو إيطاليا. إلا أنه وبعد تشديد الرقابة على معبر جبل طارق وغلق الحدود مع المغرب، أخذت الظاهرة منحى آخر، وذلك بتنظيم رحلات بحرية بواسطة قوارب الصيد انطلاقا من السواحل الجزائرية نحو السواحل الأوروبية، حيث وجدت شبكات التهريب مجالا خصبا لممارسة نشاطها بالجزائر، وذلك في ظل تنامي الرغبة في الهجرة بين أوساط جل فئات المجتمع الجزائري وحتى الأجانب من الأفارقة الذين اتخذوا الجزائر كبلد عبور، ضف إلى ذلك غياب تشريع جزائي يتصدى لمثل هذه النشاطات التي أخذت أبعادا جد خطيرة على جميع الأصعدة. واستمر الحال إلى غاية صدور القانون 09/01 المعدل والمتمم لتقنين العقوبات، الذي استحدث نصوصا عقابية في مواجهة ظاهرة مغادرة الإقليم الوطني بصفة غير مشروعة وأخرى لمواجهة تهريب المهاجرين، وذلك انسجاما مع الالتزامات الدولية في مكافحة ظاهرة الهجرة غير المشروعة. انطلاقا مما سبق فإن هذه الدراسة ستنحصر في بحث ظاهرة مغادرة الإقليم الوطني بصفة غير مشروعة، وذلك بتحليل وتشخيص الظاهرة على ضوء أصول علم الإجرام، والوقوف على الآلية التشريعية الجزائية المعتمدة في مواجهتها استنادا إلى بعض مبادئ السياسة الجنائية الحديثة، فبهذا ستنصب الدراسة على الإحاطة بمختلف جوانب الظاهرة باعتبارها ظاهرة إجرامية بالدرجة الأولى مع ربطها أساسا بالواقعين المادي والتشريعي للجزائر. ولما كانت فكرة مغادرة الوطن والبحث عن بدائل أخرى خارجه تسيطر على عقول كثير من مختلف فئات الشعب الجزائري، هل فعلا يمكن اعتبار ظاهرة مغادرة الإقليم الوطني بصفة غير مشروعة جرما يستوجب الجزاء؟ وعلى أي أساس يبنى ذلك؟

الكلمات المفتاحية

الحرقة، الهجرة غير الشرعية، الهجرة، الظاهرة الاجتماعية، القانون، التشريع الجزائري، قانون العقوبات، اوروبا، البحر المتوسط