مجلة البدر
Volume 11, Numéro 5, Pages 481-489
2018-04-30

العلة النحوية أنواعها مسالكها وقوادحها.

الكاتب : بلخوجة عبدالعزيز .

الملخص

العلة النحوية أنواعها، مسالكها وقوادحها. أ:بلخوجة عبدالعزيز. جامعة عبدالحميد بن باديس –مستغانم. الملخص: التعليل ظاهرة قديمة، فالإنسان يربط جميع الظواهر بأسبابها، ولقد جري التعليل في النحو نفس مجرى التعليل في الفقه، وكلاهما تأثر بالدرس المنطقي ، ولأن النحو الغاية منه صون السان من الخطأ، وحفظ القرآن من اللحن، ومما هو معلوم فالحكم على الشيء فرع من تصوره، ووجود الشيء مرهون بوجود أسبابه وشروطه، وكل حكم في النحو يعتمد على علة تجمع بين المقيس و المقيس عليه. :resumé Reasoning is an ancient phenomenon ; Man connects all phenomina with thier causes, and the reasoning in grammar was explained in the same way as in jurisprudence. Both of them were influenced by the logical lesson. Since the purpose of grammar is keeping the tongue from errors and saving the Quran from the melody , and as is known, judging on the thing is a branch of his conception. And the existence of the thing deponds on the the existence of its causes and conditions. Each judgment in grammar is based on a problem that combines the measured and measured by الكلمات المفتاحية: العلة؛ النحو؛ القياس؛الإطراد؛القوادح. إن ظاهرة العليل ظاهرة بشرية قديمة قدم الإنسان، فقد جبله الله عليها حتى يمكنه التعرف ومن ثمة التكيف ، وذلك من خلال ربط النتائج بأسبابها ، غير أن ظهور العلة كمفهوم علمي لا نكاد نجد له ذكرا حسب من بحث في هذا الموضوع ، إلا عند " أرسطو" ، فهو أول من أشار إلى العلة و جعلها قسمين : علة فاعلية و هي التي يجاب بها عمن فعل الشيء، وعلة غائية و هي التي يجاب بها عن لم كان الشيء . أما في الحضارة العربية الإسلامية فإن ظهور العلوم و بلا مراء كان بعد نزول القرآن الكريم، فقد كان لهذا الكتاب أثر عظيم على العرب و من دخــل في دين الإسلام من غيرهم ، حيث أخرجهم من أوحال الجاهلية ليرقي بهم إلى دين الإسلام و تقديس العلم، فقد ارتبطت به علوم شتی لتسهيل فهمه والعمل بأحكامه، فظهر علم التفسير والقراءات والحديث والفقه و علوم اللغة، وقد كانت هذه العلوم في غالبها تنطلق من القرآن و تعود إليه، و من بين أهم هذه العلوم علم الفقه وعلم النحو، فالفقه كان مستند الأحكام الشرعية العملية، أما النحو فكان المراد من وضعه صون اللسان من اللحن، بما يحفظ كتاب الله عز وجل لاسيما بعد اختلاط العرب بالعجم و شیوع اللحن، كما كان عمادة في فهم كلام الله. و كل من أصول الفقه وأصول النحو يبحثان في الأدلة ، فأصول الفقه يبحث في أدلة الفقه وأصول النحو يبحث في أدلة النحو، وأدلتهما تنقسم إلى أدلة نقلية و أخرى عقلية، فأدلة النحو النقلية فهي السماع بفروعه، و قد عرفه"السيوطي" فقال:« وأعني به ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته ، فشمل كلام الله و الرسول، وكلام العرب قبل بعثته و في زمانــــه و بعده، إلى زمن فسدت الألسن بكثرة المولدين، نظما و نثرا عن مسلم أو كافر فهذه ثلاثة أنواع لابد في كل منها من الثبوت» . أما أدلة النحو العقلية فهي القياس، ونجد أن القياس رأس الأدلة العقلية بالنسبة للفقه والنحو على حد سواء، و هو عند علماء أصول الفقه كما عرفه جمهور الأصوليين حيث نص على ذلك الأستاذ محمد مصطفى شلبي" بأنه مساواة المسكوت للمنصوص في الحكم لتساويهما في العلة، أو بما يؤدي هذا المعنى ..." . و أما القياس في أصول النحو،" فهو كما عرفه "ابن الأنباري" في جدله: هو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه، قال: و هو معظم أدلة النحو و المعول عليه في غالب مسائله كما قيل: إنما النحو قیاس يتبع" ، فيظهر أن العلة و بصورتها العلمية قد ظهرت جلية في القياس الفقهي و النحوي، إذ هي الركن الركين فيهما. الحد و الأنواع و الشروط : 1- تعريف العلة النحوية: إن المتأمل في كتب أصول النحو لا يكاد يظفر بتعريف اصطلاحي للعلة النحوية، لا عند "ابن جني" و لا عند " ابن الأنباري " ولا عند " السيوطي" اللهم إلا ما ذكره "ابن الأنباري" في تعريفه لقياس العلة حيث قال: "أن يحمل الفرع على الأصل بالعلة التي علق عليها الحكم في الأصل " ، إذ يمكن استخلاص حد العلة على أنها ما علق عليه الحكم، و قد اصطلح عليها " ابن الأنباري " بمصطلح " الجامع" ، حتى يشمل بذلــــــــــك الشبه و الطــــــرد و هو أدق من استعمال مصطلح العلة، إذ الطرد تفقد فيه الإخالة، و الشبه يفقد فيه تأثير علة الأصل في القرع، بل يكون الحامل على القياس هو شبه الفرع بالأصل لا وجود علة الأصل في الفرع، و هذا ما يمكن استخلاصه من تعريف "ابن الأنباري" لقياس الشبه بأنه" أن يحمل الفرع على الأصل بضرب من الشبه، غير العلة التي علق عليها الحكم في الأصل " ، وقد عرفها الدكتور " سعيد جاسم الزبيدي" :« بأنها الصلة بين المقيس و المقيس عليه ، لا تتحقق إلا بجملة صفات مشتركة يطلق عليها الجامع ، و ربما سميت العلة أو العلة الجامعة ، و الجامع أحد ثلاثة أنواع : 1- العلة: و يسميها "الرماني" العلة القياسية و هي العلة التي يطرد بها الحكم في النظائر نحو : علة الرفع في الاسم ذكر الاسم على جهة يعتمد الكلام فيها . 2- الشبه : و هو وجود ضرب من الشبه بين المقيس و المقيس عليه . 3- الطرد : وهو وجود الحكم مع فقدان الإخالة (المناسبة في العلة» ، واختلفوا في حجيته على مذهبين واستدل ومن قال به بثلاثة أدلة هي: 1/ - أن الدليل على سلامة العلة و صحتها ، سلامتها من النقض و هذا موجود في الطرد. 2 /- أن عجز المعترض عليها دلیل صحتها . 3/- کونه نوعا من القياس يوجب حجيته كما لو كانت فيه إخالة أو شبه ، كما نحا أصحاب المذهب الثاني إلى رفض حجيته . - ثم إن الكلام عن العلة النحوية قديم قدم النحو العربي، و إن كان متضمنا في كلام أئمته ولم يفرد بالتأليف، هذا ما جعل بعض الناس يذهبون إلى إنكار التعليل في النحو زاعمين أن العلة تكون تابعة للوجود، لا الوجود تابع لها، و أنه يستحيل معرفة أن العرب قد أرادت تلك العلل بعينها، وردا على هاتين الشبهتين نورد كلاما ذكره السيوطي": إذا استقريت أصول هذه الصناعة علمت أنها في غاية الوثاقة، و إذا تأملت عللها عرفت أنها غير مدخولة، و لا منسمح فيها، و أما ما ذهب إليه غفلة العوام من أن على النحو تكون واهية، ومتمحلة، واستدلالهم على ذلك بأنها أبدا تكون هي تابعة للوجود لا الوجود تابع لها، فبمعزل عن الحق، و ذلك أن هذه الأوضاع و الصيغ و إن كنا نحن نستعملها فليس ذلك على سبيل الابتداء والابتداع، بل على سبيل الاقتداء و الإتباع، ولا بد فيها من التوقيف . .و قد استدل" ابن جني " باطراد الإعراب في المعربات بعواملها ، على أن ذلك لم يكن محض الصدفة بل لعلة اقتضت اطرداه ، فلا يحسن بذي لب ، أن يعتقد أن ذلك كان اتفاقا وقع ، و ردا على احتمال كون ذلك طبيعة جبلوا عليها غير قاصدين ما نسب إليهم من التعليل ، بأن الله هداهم لذلك و جيلهم عليه بما يوافق طباعهم القابلة له و المنطوية على صحة الوضع فيه . - على أن العلة ارتبطت بالحكم النحوي ارتباطا وثيقا ، و عاصرت نشأته ، فكانت في أول أمرها ساذجة بسيطة كما كان الأمر مع " أبي إسحاق الحضرمي" ثم تطورت و نضجت مع " الخليل " و "سبويه "، ثم اتخذت منحي معقدا و متشعبا حتى اتسمت بالجدل النظري مع " الزجاج " و " ابن السراج" و " ابن جني " و " ابن الأنباري " حتى لا تكاد تلفي في بعض جوانبها قيمة في الدرس اللغوي . - أقسام العلة النحوية : علة أولى و هي ما اصطلح عليها "ابن السراج" بالعلة التعليمية و علة ثانية وهــــي ما اصطلح عليها " الزجاج " بعلة العلة و "ابن السراج" بالعلة القياسية، و علة ثالثة وقد أضافها ابن السراج و اصطلح عليها بمصطلح العلة الجدلية النظرية. - فأما العلة التعليمية : فهي التي يتوصل بها إلى تعلم كلام العرب ، لأننا لم نسمع نحن ولا غيرنا كل كلامها منها لفظا و إنما سمعنا بعضا فقسنا عليه نظيره ، مثال ذلك أننا لما سمعنا " قام زيد " فهو "قائم " و ركب فهو " راكب " عرفنا اسم الفاعل فقلنا" ذهب "فهو " ذاهب " . - و أما العلة القياسية : فأن يقال لما نصبت " زيدا" بإن في قولها " إن زيدا قائم " ؟ ، و لم وجب أن تنصب "إن" "الاسم " ؟ فالجواب في ذلك أن يقال : لأنها و أخواتها ضارعت الفعل المتعدي إلى مفعول واحد ، فحملت عليه و أعملت إعماله كما ضارعته ، فالمنصوب بها شبه بالمفعول لفظا ، و المرفوع بها شبه بالفاعل لفظا . أما العلة الجدلية النظرية: فهي كل ما يعتل به في باب " إن" بعد هذا مثل أن يقال : فمن أي جهة شابهت هذه الحروف الأفعال ؟ ، و بأي الأفعال شبهتموها ؟ و لأي شيء عدلتم بها إلى ما قدم مفعوله على فاعله نحو : ضرب زيدا عمرو ، ... و كل شيء اعتل به المسؤول جوابا عن هذه المسائل ، فهو داخل في الجدل و النظر . 2- أنواع العلة النحوية :قال السيوطي : " قال أبو عبد الله موسى الحسين بن موسى الدينوري في كتابه ثمار الصناعة ، اعتلالات النحويين صنفان : علة تطرد على كلام العرب و تنساق إلى قانون لغتهم ، وعلة تظهر حكمتهم و تكشف عن صحة أغراضهم و مقاصدهم في موضوعاتهم ، و هم للأولى أكثر استعمالا و أشد تداولا ، و هي واسعة الشعب إلا أن المشهور منها على أربعة و عشرين نوعا ، و شرح ذلك " التاج" " ابن مكتوم "، في تذكرته فقال: قوله علة سماع مثل " إمرأة ثرياء " ولا يقال" رجل أثدي" ليس لذلك علة سوى السماع، و علة تشبيه مثل إعراب المضارع المشابهته الاسم و بناء بعض الأسماء المشابهتها الحروف، و علة استغناء كاستغنائهم ب "ترك " عن " ودع "، و علة استثقال كاستثقالهم الواو في " يعد" لوقوعها بين " ياء " و "كسرة"، وعلة فرق وذلك فيما ذهبوا إليه من رفع الفاعل و نصب المفعول و فتح نون الجمع وكسر نون المثنى، وعلة توكيد مثل إدخالهم النون الخفيفة والثقيلة في فعل الأمر لتأكيد إيقاعه، وعلة تعويض مثل تعويضهم الميم (اللهم من حرف النداء، وعلة نظير مثل كسرهم أحد الساكنين إذا التقيا في الجزم حملا على الجر إذ هو نظيره، و علة نقيض مثل نصبهم النكرة ب "لا" حملا على نقيضها "إن "، وعلة حمل على المعنى مثل: " فمن جاءه موعظة " {البقرة :257}. و علة مشاكلة مثل قوله:" سلاسلا و أغلالا " {الإنسان : 4}، و علة معادلة مثل جرهم ما لا ينصرف بالفتح حملا على النصب ثم عادلوا بينهما فحملوا النصب على الجر في جمع المؤنث السالم، و علة مجاورة مثل الجر بالمجاورة في قولهم : " جحر ضب خرب " و ضم الام "الله" في " الحمد لله " لمجاورتها الدال، و علة وجوب و ذلك تعليلهم برفع الفاعل و نحوه، و علة جواز و ذلك ما ذكروه في تعليل الإمالة من الأسباب المعروفة فإن ذلك علة لجواز الإمالة فيما أميل لا لوجوبها، وعلة تغليب مثل:"و كانت من القانتين " {التحريم :12}. وعلة اختصار مثل باب الترخيم و "لم يك" وعلة تخفيف كالإدغام، وعلة أصل ك "استحوذ" و "يؤكرم" وصرف مالا ينصرف، وعلة أولى كقولهم: إن الفاعل أولی برتبة التقديم من المفعول و علة دلالة حال كقول المستهل : "الهلال " أي "هذا الهلال" فحذف لدلالة الحال عليه ، وعلة إشعار بأن المحذوف ألف ، وعلة تضاد مثل قولهم في الأفعال التي يجوز إلغاؤها متى تقدمت و أكدت بالمصدر. شروط العلة النحوية: 1/ المناسبة (الإخالة ) : و هو أن يكون الوصف علة للحكم ، فيسمى قياسه قياس علة ، وهو ما سنتطرق له في مسالك العلة ، و تخلف هذا الشرط هو نفسه ما يصطلح عليه في القوادح بعدم التأثير . 2/ الإيجاب :" من شرط العلة أن تكون هي الموجبة للحكم في المقيس عليه، و من ثمة خطأ " ابن مالك " البصريين في قولهم : إن علة إعراب المضارع مشابهته للاسم في حركاته و سكناته وإبهامه و تخصيصه، فإن هذه الأمور ليست الموجبة لإعراب الاسم و إنما الموجب له قبوله لصفة واحدة و معاني مختلفة. 3/ التعدية : و هو أن تتعدى العلة الأصل. وهو المنقول من كلام العرب إلى غيره من الفروع ، إذ المراد من العلة تعديتها للجمع بين الأصل و الفرع في الحكم ، و النحاة في هذه القضية مجمعون على اشتراط التعدية وأن العلة القاصرة لا تصلح للقياس، إذ لا يمكن أن يلحق الفرع بالأصل و ليس بينهما الجامع الذي هو الركن الرابع من أركان القياس . 4/ الطرد : و هو أن يوجد الحكم كلما وجدت العلة ، وقد اختلف النحاة في اشتراط الطرد للعلة على مذهبين ، فذهب الأكثرون إلى أنه شرط و ذلك أن العلة النحوية من جنس العلة العقلية ، و العلة العقلية مطردة لا تقبل التخصيص ، و ذهب آخرون إلى جواز التخصيص في العلة النحوية، و هو ما سنتعرض له في المبحث الرابع . 5/ العكس : و هو انعدام الحكم لانعدام العلة ، وقد اختلف النحاة في اشتراطه على نحو اختلافهم في اشتراط الطرد ، فذهب الأكثرون إلى أنه شرط في العلة و ذلك نحو عدم رفع الفاعل عند عدم إسناد الفعل إليه لفظا و تقديرا ، و أوجبوا العكس في العلة النحوية لأنها مشبهة بالعلة العقلية ، والعكس شرط في العلة العقلية ، فكذلك ما كان مشبها بها ويسمى الطرد والعكس عند النحاة بالدوران أي دوران الحكم مع العلة وجودا و عدما . 1- مسالك العلة النحوية : إذ لا نكاد نجد له ذكرا صريحا في كلام المتقدمين من أئمة النحو ، و إنما نجدهم قد سلكوا في تطبيقاتهم على الفروع مسالكا مختلفة ، و قد استنبط من جاء بعدهم من كلامهم مسالكا مختلفة ، ونجد " السيوطي" قد جمعها في الاقتراح في ثمانية مسالك و هي : أولا: الإجماع : " بأن يجمع أهل العربية بأن علة الحكم كذا ، كإجماعهم على أن تقدير الحركات في المقصور التعذر و في المنقوص الاستثقال " . ثانيا: النص : بأن ينص العربي على العلة " منه ما حكى "الأصمعي " عن " أبي عمرو " قال : سمعت رجلا من اليمن يقول : فلان لغوب ، جاءته كتابي فاحتقرها ، فقلت له : أتقول جاءته كتابي ؟ قال نعم أليس بصحيفة " . "قال ابن جني " هذا الأعرابي الجلف على هذا الموضع بهذه العلة، و احتج لتأنيث المذكر بما ذكره. وعن "المبرد " قال : " سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يقرأ { ولا الليل سابق النهار } {يس:40} فقلت له ما تريد ؟ قال: أردت سابق النهار فقيل له فهلا قلته ؟ قال : لو قلته لكان أوزن . قال ابن جني : " في هذه الحكاية ثلاثة أغراض لنا : أحدها : تصحيح قولنا إن أصل كذا كذا . و الثاني : أنها فعلت كذا لكذا . ألا ترى إنما طلب الخفة يدل عليه قوله : لكان أوزن، أي أثقل في النفس من قولهم: هذا درهم وازن ثقيل له وزن. و الثالث : إنها قد تنطق بالشيء ، غيره في نفسها أقوى منه لإيثارها التخفيف " ثالثا: الإيماء :" كما روي أن قوما من العرب أتوا النبي - صلى الله عليه و سلم - فقال لهم : من أنتم ؟ فقالوا نحن بنو غيان ، فقال : بل أنتم بنو رشدان . قال " ابن جني " " أشار إلى أن الألف و النون زائدتان و إن كان لم يتفوه بذلك غير أن اشتقاقه من الغي بمنزلة قولنا نحن : إن الألف و النون فيه زائدتان " . ومن ذلك أيضا ما حكاه غير واحد : أن الفرزدق حضر مجلس ابن أبي إسحاق، فقال: كيف تنشد هذا البيت ؟: وعينان قال الله كونا فكانتا * * فعولان بالألباب ما تفعل الخمر فقال الفرزدق: كذا أنشد: فقال ابن أبي إسحاق: ما كان عليك لو قلت:"فعولين" فقال الفرزدق : لو شئت أن أسبح لسبحت ، ونهض فلم يعرف أحد من المجلس ما أراد . قال ابن جني: "لو نصب الأخبر أن الله خلقهما وأمرهما أن تفعلا ذلك، و إنما أرادهما تفعلان ، و"كان" تامة غير محتاجة إلى الخبر فكأنه قا : وعينان قال الله أحدثا فحدثتا رابعا : السبرو التقسيم : "وهي أن يورد الوجوه المحتملة للعلية ، ثم يسبرها بإلغاء ما لا يصلح وإبقاء ما هو صالح فتتعين عليته وذلك على نحو ما مثل به "ابن جني " بوزن مروان، فلا يخلو: إما أن يكون فعلان أو مفعالا أو فعولا ، هذا ما يحتمله ، ثم تفسير كونه مفعالا أو فعولا بأنهما مثالان لم يجيئا فلم يبق إلا فعلان "قال ابن الأنباري " الاستدلال بالتقسيم ضربان : أحدهما: أن يذكر الأقسام التي يجوز أن يتعلق الحكم بها، فيبطلها جميعا فيبطل بذاك قوله والثاني: أن يذكر الأقسام التي يجوز أن يتعلق الحكم بها فيبطلها إلا الذي يتعلق الحكم به من جهة فيصح قوله . خامسا: المناسبة:" و تسمى الإخالة أيضا لأن بها يخال ، أي يظن أن الوصف علة، و يسمى قياسها قياس علة، و هو: أن يحمل الفرع على الأصل بالعلة التي علق عليها الحكم في الأصل ، كحمل ما لم يسم فاعله على الفاعل في الرفع بعلة الإسناد" . و اختلفوا هل يجب إبراز المناسبة عند المطالبة ؟ فقال قوم لا يجب ، لأن المستدل أتي بالدليل بأركانه فلم يبق عليه إلا الإتيان بالشرط الذي هو الإخالة و لو كلفناه أن يذكر الأسئلة لكلفناه أن يستقل بالمناظرة وحده و ذلك لا يجوز . و قال قوم يجب إبراز المناسبة عند المطالبة لأن الدليل لا يكون دليلا إلا إذا تعلق الحكم به، ولا يكون متعلقا به إلا إذا أبان وجه الإخالة ، و المطالبة بإبراز الإخالة بمنزلة المطالبة بإبراز عدالةالشهود ، فلا يطالب المدعي بإبراز عدالة الشهود ، و إنما على الخصم القدح في عدالتهما ، فكذا | الإخالة لا يجب إبرازها ، و إنما على المعترض القدح فيها . سادسا: الشبه : قال "ابن الأنباري " و هو أن يحمل الفرع على الأصل بضرب من الشبه غير العلة التي علق عليها الحكم في الأصل ، و ذلك مثل أن يدل على إعراب المضارع بأنه يتخصص بعد شياعه ، كما أن الاسم يتخصص بعد شياعه فكان معربا كالاسم ، أو بأنه يدخل عليه لام الابتداء كالاسم أو بأنه على حركات الاسم و سکونه ، و ليس شيء من هذه العلل هي التي وجب لها الإعراب في الأصل ، و إنما هو إزالة اللبس . قال و قیاس الشبه قیاس صحيح يجوز التمسك به في الأصح كقياس العلة. سابعا: الطرد : "و هو الذي يوجد معه الحكم و تفقد معه الاخالة في العلة" وقد ذكرنا فيما سبق و بينا الوجه الراجح من ذلك على حد ما ذكره ابن الأنباري بدليله . ثامنا: إلغاء الفارق : و هو بيان أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يؤثر فيلزم اشتراكهما" و قد ذكر كثير من المتأخرين هذه المسالك ، فلم يزيدوا على ما أتي به السيوطي شيءا ، بل قاموا بإعادة نقله حرفيا ، كالدكتور أحمد نحلة . قوادح العلة النحوية :الكلام على القوادح يجري نفس مجرى الكلام على المسالك ، حيث لم نجدها إلا عند " السيوطي" مجموعة على هذا النحو من التأصيل و هي : 1/ النقض : و هو وجود العلة و لا حكم على مذهب من لا يرى تخصيص العلة ، والكلام على النقض هو نفسه الكلام على شرط اطراد العلة، و قد بيناه آنفال ، "و جواب النقض أن تمنع مسألة النقض إن كان فيها نقص، أو تدفع النقض باللفظ أو بالمعنى في اللفظ فالمنع مثل أن يقول: إنما جاز النصب في نحو" يا زيد الظريف" حملا على الموضع لأنه وصف لمنادى مفرد مضموم، و لا يجوز فيه النصب، و يمنع على مذهب من يرى جوازه، و الدفع باللفظ مثل أن يقول في حد المبتدأ: كل اسم عريته من العوامل اللفظية لفظا أو تقديرا فيقال : هذا ينتقض بقولهم:"إذا زید جاءني أكرمته" فزيد قد تعرى من العوامل اللفظية، و مع هذا فليس بمبتدأ فيقول : قد ذكرت في الحد ما يدفع النقض، لأني قلت لفظا أو تقديرا، وهو أن تعرى لفظا لم يتعر تقديرا، فإن التقدير" إذا جاءني زيد" و الدفع بالمعنى في اللفظ مثل أن يقول: إنما ارتفع ب" كتب" في نحو "مررت برجل كتب " فإنه فعل قد قام مقام الاسم وهو كاتب وليس بمرفوع فنقول: قيام الفعل مقام الاسم إنما يكون موجبا للرفع إذا كان الفعل معربا و هو الفعل المضارع ، نحو "يكتب " و "كتب" فعل ماض و الفعل الماضي لا يستحق شيءا من الإعراب، فلما لم يستحق شيئا من جنس الإعراب منع الرفع الذي هو نوع منه، فكأنا قلنا: هذا النوع المستحق للإعراب قام مقام الاسم فوجب الرفع، فلا يرد النقض بالفعل الماضي الذي لا يستحق شيئا من الإعراب . 2/ تخلف العكس : وهو وجود الحكم مع انتفاء العلة بناءا على أن العكس شرط في العلة، وهو رأي الأكثرين و ذلك مثل عدم نصب المفعول لعدم وقوع الفعل عليه لفظا أو تقديرا.و اعتبره قوم ليس بناقض بناءا على عدم اشتراط العكس في العلة، و ذلك أن العلة مشبهة بالدليل العقلي، يدل وجوده على وجود الحكم ولا يدل عدمه على عدمه . 3/ عدم التأثير: وهو أن يكون الوصف لا مناسبة فيه، وقال " ابن الأنباري":" الأكثر على أنه لا يجوز إلحاق الوصف بالعلة مع عدم الإخالة، سواء كان الدفع نقض و غيره، بل هو حشو في العلة، و ذلك مثل أن تدل على ترك صرف حبلى فتقول: إنما امتنع من الصرف لأن في آخره ألف التأنيث المقصورة ، فذكر المقصورة حشو لأنه لا أثر له. في العلة لأن ألف التأنيث لا تستحق أن تكون سببا مانعا من الصرف لكونها مقصورة، بل لكونها للتأنيث فقط، ألا ترى أن الممدودة سبب مانع للصرف أيضا؟ فوجب عدم الجواز لأنه لا إخالة فيه ولا مناسبة، و إذا كان خاليا عن ذلك لم يكن دليلا، و إذا لم يكن دليلا لم يجز إلحاقه بالعلة ، و قال قوم: إذا ذكر لدفع النقض لم يكن حشوا لأن الأوصاف في العلة تفتقر لشيئين: أحدهما: أن يكون لها تأثير. ثانيها: أن فيها احترازا. و قال " ابن جني " في الخصائص :" قد يزاد في العلة صفة لضرب من الاحتياط بحيث لو أسقطت، لم يقدح فيها كقولهم: همز "أوائل" أصله "أواول "فلما اكتنف الألف واوان و قربت الثانية منهما من الطرف، و لم يؤثر إخراج ذلك على الأصل... و ليس هنالك ياء قبل الطرف مقدرة ، كانت الكلمة جميعا، ثقل ذلك فأبدلت الواو همزة فصارت " أوائل " ولا يجوز زيادة صفة لا تأثير لها أصلا البتة ، كقولك في رفع طلحة " جاءني طلحة " لأنه أسند الفعل إليه و لأنه مؤنث أو علم، فذكر التأنيث و العلمية لغو لا مناسبة فيه" 4/ القول بالموجب: قال ابن الأنباري":" أن يسلم للمستدل ما اتخذه موجبا للعلة مع استبقاء الخلاف، ومتی توجه كان المستدل منقطعا، فإن توجه في بعض الصور مع عموم العلة لم يعد منقطعا مثل أن يستدل البصري على جواز تقديم الحال على عاملها الفعل المتصرف نحو" راكبا جاء زيد" فيقول: جواز تقديم معمول الفعل المتصرف ثابت في غير الحال فكذلك في الحال، فيقول له "الكوفي " أنا أقول بموجبه فإن الحال يجوز تقديمها عندي إذا كان ذو الحال مضمرا، والجواب أن يقدر العلة على وجه لا يمكنه القول بالموجب كأن يقول: عنيت ما وقع الخلاف فيه، وعزمته بالألف واللام فتناوله و انصرف إليه، وله أن يقول: هذا قول بموجب العلة في بعض الصور مع عموم العلة جميعا فلا يكون قولا بموجبها" . 5/ فساد الاعتبار : " و هو أن يستدل بالقياس في مقابلة النص عن العرب ، كأن يقول البصري الدليل على أن ترك صرف ما لا ينصرف لا يجوز لضرورة الشعر، فلو جوزنا ترك صرف ما ينصرف، لأدى ذلك إلى رده عن الأصل إلى غير أصل ، فوجب أن لا يجوز قياسا على مد المقصور، فيقول له المعترض: هذا استدلال منك بالقياس في مقابلة النص عن العرب، و هو لا يجوز، فإنه قد ورد النص عنهم في أبيات تركوا فيها صرف المنصرف لضرورة " ، و الجواب: الطعن في النقل إما من جهة الإسناد أو من جهة المتن. 6/ فساد الوضع: قال ابن الأنباري: و هو أن يعلق على العلة ضد المقتضی، كأن يقول "الكوفي " : إنما جاز التعجب من السواد و البياض دون سائر الألوان لأنهما أصلا الألوان. فيقول له "البصري " : قد علقت على العلة ضد المقتضي لأن التعجب إنما امتنع من سائر الألوان للزومها ، و هذا المعنى في الأصل أبلغ منه في الفرع، فإذا لم يجز مما كان فرعا لملازمته المحل فالآن لا يجوز مما كان أصلا و هو ملازم للمحل أولى، والجواب: أن يبين عدم الضدية أو يسلم له ذلك ، ويبين أنه يقتضي ما ذكره أيضا من وجه آخر" 7/ المنع للعلة : " قال ابن الأنباري" :" و قد يكون في الأصل و الفرع، فالأول : كأن يقول البصري إنما ارتفع المضارع لقيامه مقام الاسم و هو فاعل معنوي ، فأشبه الابتداء في الإسم المبتدأ ، و الابتداء يوجب الرفع فكذلك ما أشبهه فيقول له الكوفي ، لا نسلم أن الابتداء يوجب الرفع في الاسم المبتدأ، و الثاني يقول البصري : الدليل على أن فعل الأمر مبني لأن " دراك " و "تراك " و نحوهما من أسماء الأفعال مبنية لقيامها مقامه، و لو لا أنه مبني و إلا لما بني ما قام مقامه ، فيقول له الكوفي: لا نسلم أن نحو"دراك" إنما بني لقيامه مقام فعل الأمر بل تتضمنه لام "الأمر" و الجواب عن منع العلة أن تدل على وجودها في الأصل و الفرع بما يظهر به فساد المنع" . 8/ المطالبة بتصحيح العلة :" قال ابن الأنباري: و الجواب أن يدل على ذلك بشيئين، التأثير و شهادة الأصول، فالأول: وجود الحكم لوجود العلة و زواله لزوالها ، كأن يقول : إنما بنيت " قبل " و "بعد" على الضم لأنها انقطعت عن الإضافة فيقال : و ما الدليل على صحة هذه العلة ؟ فيقول : التأثير وهو وجود البناء لوجود هذه العلة و عدمه لعدمها، ألا ترى أنه إذا لم يقتطع عن الإضافة يعرب، والثاني: كأن يقول: إنما بنيت "كيف" وأين" و" متى" لتضمنها معنى الحرف فيقال: وما الدليل على صحة هذه العلة ؟ فيقول:الأصول تشهد و تدل على أن كل اسم تضمن معنى الحرف وجب أن يكون مبنيا". /9 المعارضة: "قال" ابن الأنباري": وهو أن يعارض المستدل بعلة مبتدأة، و الأكثرون على قبولها لأنها دفعت العلة، و مثالها أن يقول الكوفي في الإعمال : إنما كان إعمال الأول أولى لأنه سابق، و هو صالح للعمل فكان إعماله أقوى لقوة الابتداء و العناية به، فيقول البصري : هذا معارض بأن الثاني أقرب إلى الاسم و ليس في إعماله نقص معنى. و من الجدير بالذكر أن"ابن الأنباري" قد سبق "السيوطي"إلى ذكر القوادح حيث عقد لها فصلا في رسالته "الإغراب" و جعل هذه الاعتراضات راجعة إلى القياس و لم يزد "السيوطي" عليها إلا تخلف العكس و عدم التأثير، لأن الاعتراض على العلة، اعتراض على القياس، كون العلة الركن الثالث منه، و بعض الاعتراضات ترجع إلى القياس لا إلى العلة كفساد الاعتبار و فساد الوضع، فذكرها ضمن قوادح العلة توسع و تجوز" . - بكري عبد الكريم، أصول النحو العربي في ضوء مذهب ابن مضاء القرطبي، الجزائر، القاهرة ، الكويت ، دار الكتاب الحديث ، 1999،ص43. - جلال الدين السيوطي، الاقتراح في أصول النحو ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1998، ص24 - جلال الدين السيوطي ،المرجع نفسه ، ص.56 - محمد سالم صالح، أصول النحو، دراسة في فکرا بن الأنباري، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة،ط1، 2006 ص 333. - محمد سالم صالح ،المرجع نفسه:ص 333 - محمد سالم صالح ،المرجع نفسه، ص 333 - سعيد جاسم الزبيدي، القياس في النحو العربي، (نشأته وتطوره) دار الشروق للنشر والتوزيع، ط1، 1997،ص 27-28. - أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، تحقيق محمد علي التجار، المكتبة المصرية، ج 1،ص 237-238. - أحمد نحله، أصول النحو العربی، دار العلوم العربية، بيروت، 1987، ص30 - أحمد نحلة، المرجع نفسه، ص 128-129 - جلال الدين السيوطي، الاقتراح في أصول النحو، ص 86. - لخظر الحباس ، النحو العربي والعلوم الإسلامية، منشورات جامعة الجزائر، الجزائر،1999، ص 359 - لخظر الحباس ، النحو العربي و العلوم الإسلامية، ص 361. -لخظر الحباس، المرجع نفسه، ص 361 - جلال الدين السيوطي ، الاقتراح في أصول النحو، ص 82. - جلال الدين السيوطي، المصدر نفسه، ص 82. - جلال الدين السيوطي ،المصدر نفسه، ص 82-83. - أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص ، ج1، ص 250-251۔ - أبو الفتح عثمان بن جني، المرجع نفسه، ج03، ص 302. - أبو الفتح عثمان بن جني، المرجع نفسه، ص 69. -جلال الدين السيوطي، الإقتراح في أصول النحو، ص 85. - جلال الدين السيوطي، المرجع نفسه، ص 86. - جلال الدين السيوطي ،المرجع نفسه،ص 87. - جلال الدين السيوطي ، المرجع نفسه، ص 87. - جلال الدين السيوطي المرجع نفسه، ص 88. - أحمد نحلة، أصول النحو العربي، ص 132-133. - جلال الدين السيوطي السيوطي، الاقتراح في أصول النحو، ص 88 - جلال الدين السيوطي المرجع نفسه، ص 88. - جلال الدين السيوطي المرجع نفسه، ص 89. - جلال الدين السيوطي المرجع نفسه، ص 90. - جلال الدين السيوطي ،المرجع نفسه، ص90۔ - أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، ج 1، ص 194-195. - جلال الدين السيوطي، الاقتراح في أصول النحو، ص 91-92 - جلال الدين السيوطي،المرجع نفسه، ص92 - جلال الدين السيوطي المرجع نفسه، ص 95 - جلال الدين السيوطي المرجع نفسه، ص 95 - جلال الدين السيوطي ، المرجع نقسه،ص 95. - جلال الدين السيوطي المصدر نفسه، ص 95 - محمد سالم صالح، اصول النحو العربي، دراسة في فكر الأنباري ، ص 374.

الكلمات المفتاحية

العلة؛ النحو؛ القياس؛الإطراد؛القوادح.