المعيار
Volume 8, Numéro 1, Pages 8-12
2017-06-30

تأويلية التاريخ وسؤال التواصل عند "بول ريكور"

الكاتب : بلعاليه دومه ميلود .

الملخص

يحاول "ريكور" أن يجعل من فعل التفكر في الكتابة التاريخية استئنافا لتفكير من الدرجة الثانية حول العمل التاريخي، إن على صعيد إبستمولوجيا الكتابة التاريخية (الإسطوغرافيا) أو على صعيد المغزى الفلسفي لتاريخ الفلسفة، ومن ثم على صعيد معنى التاريخ في صورته الإنسانية، أي كأثر للفعل الإنساني، و سواء كان هذا الأثر عملا أدبيا أو فلسفيا، فإنه في النهاية ثمرة لممارسة تأويلية تستعيد بواسطتها الذات معنى وجودها في العالم من حيث هو وجود مع الغير ومن أجلهم، الأمر الذي يجعل من قراءة التاريخ بمثابة عملية "إعادة استملاك" متجددة باستمرار للمعنى، باعتباره أفقا تحيل عليه التجارب الماضية والتقاليد السابقة، ومن ثم تحقيق معنى المعاصرة المفترضة في عملية الفهم التاريخي، أو بعبارة أخرى، إحداث همزة وصل بين الأجيال المتباعدة، بحيث يصير فهم التاريخ معبرا لحقيقة، يتجاوز معناها الأفراد والأحداث دون أن تتنكر لزمانيتها(1) وتخترق بنية النصوص والخطابات دون أن تتجاهل تاريخيتها، إنها الحقيقة الموصولة بحركة التأويل المستمرة والمتجددة، بالرغم مما يبدو من تقطعات على مستوى التفسيرات الوضعانية والتحليلية للكتابة التاريخية، والتي توهمنا أحيانا كثيرة بأنها ملازمة للتجربة التاريخية كما عيشت في الماضي، في حين أن هذا أمر يمتنع تصوره، وذلك من منطلق أن الناس الذين عاشوا هذه التجربة انفصلوا عنا ولم يعد بالإمكان استدعاءهم كأطراف للحوار المتبادل، وهو الأمر الذي يجعل من الضرورة بمكان إحلال التأويل محل الحوار المباشر، "إذ تبدأ التأويلية حيث ينتهي الحوار"(2)، ويزداد هذا الأمر ضرورة تحت وطأة الشعور بالمسؤولية التاريخية، على اعتبار استمرار شعورنا، نحن كمعاصرين، بالدَّين(La dette) نحو الأسلاف وأعمالهم، وهو "دَيْنٌ يبدو كما لو أنه غير قابل للتسديد" كما أكد ذلك "ريكور" مرارا(3)، مما يدفعنا باستمرار إلى استكشاف المعاني التي خلفتها كتاباتهم والدلالات الممكنة لعالم نصوصهم والتي تتقاطع مع عالم قراءهم. فالحقيقة التاريخية تظل دوما كأنها تجربة غير مباشرة، أي تجربة تعاش بواسطة الفعالية التأويلية أو فعالية القراءة، وعليه يجب أن ينظر للتواصل التاريخي، لا كمعطى مباشر للوعي التاريخي الناجم عن المزاعم التحليلية العلمية بشكل عام، بل كمهمة لنمط معين من الوعي التأويلي الفلسفي، يضعه "ريكور" تحت عنوان:"هرمينوطيقا التاريخ".

الكلمات المفتاحية

تأويلية، التاريخ وسؤال التواصل، بول ريكور.