مجلة سيميائيات
Volume 12, Numéro 1, Pages 13-23
2016-03-12

السميائيات وتأويل النص الديني

الكاتب : سعيد بنكـــــراد .

الملخص

هناك لحظتان فارقتان في تاريخ الإنسان: يوم انتُزع عُنوة من ثديي أمه لكي يواجه الطبيعة وحيدا خارج غطاء جسد لم يكن له من مأوى سواه، ويوم كفت حواسه عن أن تكون أداته الوحيدة في الإدراك المباشر لكائنات الكون وأشيائه. لقد حل عطاء الطبيعة محل عطاء الأم، وحلت المفاهيم المجردة محل موجودات الكون. شكلت الحالتان معا ميلاد كائن جديد ينمو ويكبر في الرمز وحده في انفصال عن هوى الأحاسيس والحدوس العمياء. وبذلك قَبِل، اختيارا أو قسرا، مقايضة حقائق الوجود العينية بحالات افتراضية موطنها أشكال رمزية من كل الطبائع. وهذه الأشكال هي موضوع السميائيات وذاك مجالها المفضل: إنها دراسة تهتم بمجموع ما يُنتجه السلوك الإنساني ويُصَنف ضمن المضاف الثقافي في حياة الناس، يدخل ضمن ذلك كل شيء، النصوص بكل أنواعها وكذا المفاهيم المعزولة والأحكام المسبقة ومرويات التاريخ وما نسجته الذاكرة الفردية والجماعية من حِكَم وأمثال وأقوال مأثورة، وبما فيها أيضا أشكال العمران وحالات العيش والطقوس الاجتماعية. فهؤلاء يُسَرِّبون أحلامَهم وآلامَهم إلى نصوص من طبائع شتى تُعشش فيها مجمل التمثلات التي تُعد الأساس الذي يقوم عليه جزء كبير من مضمون الأخلاق والسياسة والإيديولوجيا والدين. لقد كانت عودة السميائيات إلى العلامة ذاتها، أي إلى التجربة الرمزية، مدخلا مركزيا من أجل التعرف على هوية الإنسان باعتباره كائنا يأتي إلى العالم من خلال ممكنات اللغة في المقام الأول، فداخلها يولد وداخلها ينمو ويضمحل، وهو من يُضَمِّنها رؤاه لهذا العالم أيضا. إنه يعي ذاته ويعي عالمه وفق آليات التقطيع المفهومي فيها، ما يشمل المظاهر والأبعاد والخصائص والنوعيات. وهي صيغة أخرى للقول، إن الوقائع الفعلية لا تتم في عراءٍ أو داخل فضاء غُفل، بل هي طبقات دلالية من طبيعة تراتبية لا تكشف عن جوهر الأشياء، بل تغطي على بعضها بعضا في الكثير من الحالات.

الكلمات المفتاحية

الإيديولوجيا -هوية -اللغة -السميائيات -العلامة